في قلب الأزمة الإنسانية الحادة في قطاع غزة، يكشف واقع المصريين العالقين في القطاع عن مأساة إنسانية معقدة تتجاوز البعد السياسي، وتحول إلى محنة شخصية يواجهها عشرات الأسر بلا أي دعم حقيقي من جانب السلطات المصرية.
هذه الحكايات من داخل غزة تروي قصة انتظار مرير لآلاف المواطنين، يتخبطون بين أروقة «القوائم الرسمية» غير المكتملة، وتضارب إجراءات الإجلاء، ونقص المساعدات، وسط صمت شبه مطبق من وزارة الخارجية والسفارة المصرية.
بداية الحكاية.. من الزيارة إلى المحاصرة
في مارس 2023، دخل الشاعر المصري محمد العزب وزوجته الفلسطينية قطاع غزة عبر معبر رفح البري، لزيارة والدي زوجته.
لكن الخروج من غزة كان أشد تعقيدًا من الدخول، إذ تُنسق قوائم العبور بين الأمن الفلسطيني والجانب المصري، بينما ظل معبر رفح المنفذ الوحيد لخروج سكان القطاع المحاصر.
بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، تدهورت الأوضاع بشكل مأساوي، وتكرر النزوح داخل القطاع عدة مرات لعائلة العزب، من جنوب غزة إلى أحيائها الشمالية والشرقية، حيث تفتقر العائلة لأبسط مقومات الحياة.
العزب وزوجته، اللذان نفد المال لديهما، يعيشان الآن على مساعدات غذائية متواضعة، غالبًا ما تكون غير كافية، وفي كثير من الأحيان لا يجدون سوى خبز وليمون مخلل.
لا مصدر دخل ولا إمكانية لاستئناف الحياة الطبيعية، في ظل غياب التواصل الرسمي مع سلطات عبدالفتاح السيسي.
القوائم الرسمية.. انتظار بلا أمل
رغم تسجيل بياناتهم لدى وزارة الخارجية المصرية منذ ديسمبر 2023، لم يتلق العزب أو عائلته أي رد أو مساعدة ملموسة.
كما حدث مع عشرات المصريين العالقين الآخرين، الذين يرسلون عشرات الرسائل الإلكترونية دون أي تواصل أو مؤشر على موعد إجلائهم.
وكثيرون منهم اضطروا إلى اللجوء إلى مجموعات إلكترونية على «واتساب» و«فيسبوك» للبحث عن أي خيط أمل، أو تنظيم وقفات احتجاجية لجذب انتباه المسؤولين.
على الجانب الآخر، كشفت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان أن مصر أخرجت من غزة أكثر من 74 ألف أجنبي ومزدوج الجنسية حتى ديسمبر 2024، لكنها لم تُظهر نفس الاهتمام بالمصريين العالقين، رغم أن المعبر مصري أساسًا.
«تنسيقات هلا».. شبكة استغلالية وسط الأزمة
وسط غياب الإجراءات الرسمية، انتشرت وساطة غير قانونية تديرها شركة «هلا» التي تطلب مبالغ طائلة مقابل «تنسيق» عبور المعبر، وصلت إلى خمسة آلاف دولار وأحيانًا ثمانية آلاف أو أكثر.
قصص كثيرة تعكس محاولات العائلات دفع تلك الأموال، لكنها غالبًا ما تقابل بالنصب والاحتيال، مما يفاقم معاناة المواطنين.
منهم عبد الرحمن أبو حالوب، الذي سُلب أموالًا كبيرة دون جدوى، ومنهم سهام مبارك التي استطاعت الخروج عبر القوائم الرسمية لكنها اضطرت لدفع مبلغ ضخم لإجلاء ابنتها غير المصرية عبر «هلا».
وهناك من فقدوا أفراد عائلاتهم في القصف وهم ينتظرون الحصول على حقهم في العبور.
مأساة مزدوجة.. بين القصف ونقص الدعم
بين القصف الإسرائيلي المتكرر، وضيق الحياة وغياب الخدمات الأساسية، ينتظر المصريون في غزة دورهم، وسط فشل واضح للجهات المصرية المختصة في تقديم أي ضمانات أو دعم.
فاطمة الشاعر، مثلاً، نجت من مجزرة في خان يونس، بينما قُتلت والدتها التي رفض الجانب الفلسطيني من المعبر مرورها رغم إدراج اسمها بالقوائم الرسمية.
كما يعاني عبد الحي أبو نحل من منع الجانب المصري دخوله رغم مرور الجانب الفلسطيني له، إلا بعد دفع مبالغ لشركة «هلا»، قبل أن يغادر إلى أوروبا منفصلًا عن عائلته العالقة.
الصمت الرسمي والوعود غير المحققة
بعد وقفات احتجاجية في أبريل الماضي داخل غزة، تلقى العزب اتصالًا من مسؤول يدعي تمثيل المخابرات المصرية، طالب بإعداد قوائم بالعالقين الراغبين في العودة، من دون تحديد آليات أو مواعيد واضحة.
تواصل العزب بتنظيم قاعدة بيانات لـ 500-600 من العالقين، لكن حتى الآن لم تظهر نتائج ملموسة.
المجموعات الإلكترونية التي أنشأها العزب تضم آلاف المصريين والذويهم، لكن كل ما تبقى لهم هو محاولة جذب الانتباه عبر التعليقات على حسابات رسمية ومنصات إعلامية، في انتظار معجزة الخروج.