كشف تقرير جديد صادر عن "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" عن وقائع صادمة تجري خلف أسوار سجن جمصة "تأهيل 3"، من خلال شهادة حيّة لسجين سابق تعرّض لتعذيب جسدي ونفسي، وإهانة ممنهجة منذ لحظة دخوله سيارة الترحيلات وحتى لحظة تسكينه داخل الزنزانة.

القصة التي يرويها السجين السابق (تحفّظ التقرير على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، تقدم مشهدًا كاشفًا لوضعية السجون، والتي توصف بأنها بيئة طاردة للكرامة الإنسانية، ومفرخة للقهر والاضطراب النفسي، لا لمفهوم "الإصلاح والتأهيل" الذي تزعم السلطات تطبيقه.
 

الترحيلات.. الجحيم المتنقل
   "الحبس كوم، والترحيلات كوم تاني"... بهذه العبارة بدأ السجين شهادته، واصفًا سيارة الترحيلات التي نُقل عبرها بأنها "فرن متحرك" تنعدم فيه أدنى شروط الآدمية.
حرارة خانقة، اختناق بسبب روائح البول والبراز المتراكمة داخل العربة، اكتظاظ بشري يصل حد الالتصاق الجسدي، وساعات طويلة من التنقّل بين الأقسام دون طعام أو ماء، وسط صرخات لا يسمعها أحد.
 

الاستقبال.. إذلال ممنهج منذ اللحظة الأولى
   عند الوصول إلى سجن جمصة، تبدأ رحلة الإهانة الممنهجة، بدءًا من حلق الشعر القسري، مرورًا بإجبار المساجين على التبول والتغوط أمام المخبرين والمسؤولين في ظروف مهينة، وليس انتهاءً بالتعري الكامل والتفتيش الشخصي المهين، والضرب بالعصيّ كعقاب على "بطء التنفيذ" أو مجرد الاعتراض.

يقول السجين: "أول ما دخلنا الإيراد، وقّفونا عرايا، وطلبوا منا نعمل حمام في الأرض، قدّام بعض، وسط شتائم وضرب، وكنت من اللي ما عرفوش يعملوا… فاتعاقبت بالضرب والإهانة، 20 عصاية على رجليا، وقفوني في ميّة عشان ما تورمش".
 

مسيّرو الإيراد.. سجن داخل السجن
   ما يثير القلق أكثر هو الدور الذي يلعبه بعض السجناء الجنائيين أنفسهم، المعروفين بـ"مسيّري الإيراد"، والذين يشاركون في عمليات التعذيب والاستفزاز، بل ويتولون مهام التحقيق مع المسجونين الجدد، في تجاوز فج للقانون.
يُجبر القادمون الجدد على الرد على أسئلة عن زملائهم: من يحمل هاتفًا؟ من أدخل مخدرات؟ وأي رفض أو صمت يُقابل بالضرب المبرّح.
 

8 أيام من العذاب.. هدفها كسر الإنسان
   ثمانية أيام قضاها السجين في عنبر "الاستقبال"، يصفها بأنها "رحلة كسر إرادة متكاملة". النوم بالأرض دون مخدة، بوضعية إلزامية "على جنب واحد"، كل رأس فوق قدمي زميله، ممنوع الاستلقاء أو الحركة.
أدق التفاصيل كانت خاضعة لرقابة وسخرية: "حتى شعرك مش ملكك، وممنوع تعترض. طلبت أستحمى، قالوا لي: هحمّيك أنا!" ثم انهالوا عليه بالضرب مجددًا.
 

انتهاك للخصوصية ومصادرة للممتلكات
   عند التسكين في الزنزانة، صودرت ملابس السجناء رغم مطابقتها للمواصفات المسموح بها.
احتُجزت الأموال في "الأمانات"، والسجائر في "المخزن"، دون ضمانات أو إيصالات قانونية.
حتى الحقوق البسيطة كالحصول على بطانية أو مياه نظيفة أصبحت خاضعة لمزاج العساكر و"المخبرين".
 

ماذا تقول منظمات حقوق الإنسان؟
الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، التي وثقت هذه الشهادة، قالت إن ما جرى في سجن جمصة "تأهيل 3" لا يعدو أن يكون نموذجًا واحدًا لما يجري في عشرات السجون الأخرى، في ظل غياب الرقابة الفعلية، وتعطيل النيابة العامة عن أداء دورها في التحقيق في بلاغات التعذيب.

وأكدت الشبكة أن هذه الانتهاكات تندرج ضمن "جرائم التعذيب الممنهج" التي تستوجب محاسبة داخلية ودولية، وطالبت بتمكين المنظمات المستقلة من زيارة السجون، والسماح للأمم المتحدة بمتابعة أوضاع أماكن الاحتجاز.

https://www.facebook.com/photo?fbid=724365716611157