في وقت يحتفل فيه رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي بمرور 123 عاما على تدشين مرفق الإسعاف في مصر، تناسى استمرار حكومته في سحق المرضى عبر استمراره في تنفيذ خطط خصخصة الخدمات العلاجية للمواطنين تحت ذريعة التطوير، وفرضه رسوما خيالية لاستخدام مرفق الإسعاف وصلت لـ 49 ألف جنيه.
وكانت هذه الزيادة التي اعتمدت في نهاية العام الماضي أثارت قلقاً كبيراً بين الفقراء ومحدودي الدخل، الذين يواجهون صعوبات في الذهاب للمستشفيات .
ويعاني الكثير من المصريين من زيادة أسعار خدمات الرعاية الصحية، في ظل تزايد النفوذ الاحتكاري الخليجي.
في الوقت نفسه، تسعى الحكومة في فرض إتاوات وجبايات على الفقراء والمواطنين تثقل كاهلهم، رغم أن متوسط الأجور في مصر يعد من بين الأدنى على مستوى العالم.
زيادة كارثية
وكانت هيئة الإسعاف المصرية قد قررت زيادة أسعار خدماتها المقدمة للمواطنين بنسب بلغت أكثر من 350% ، اعتباراً من نهاية العام الماضي، مبررة ذلك بالحاجة إلى تطوير وتحديث الخدمات لتلبية احتياجات المواطنين.
وشملت الزيادات خدمة نقل المرضى للحالات غير الطارئة، حيث ارتفع السعر من 125 جنيهاً إلى 450 جنيهاً للمسافات التي تصل إلى 25 كيلومتراً داخل نفس المحافظة.
أما للمسافات التي تتراوح بين 26 و50 كيلومتراً، فقد ارتفعت التكلفة إلى 625 جنيهاً، وللمسافات من 51 إلى 75 كيلومتراً أصبحت 800 جنيه.
وبرغم أن نقل المصابين في الحوادث وحالات الطوارئ بين المستشفيات الحكومية لا يزال مجانياً، إلا أن هذه الزيادات تأتي في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يعاني منها العديد من المواطنين، مما أثار تساؤلات حول تأثير هذه القرارات على الفئات الأكثر احتياجاً.
كما تم رفع أسعار خدمات الإسعاف للمسافات الطويلة، حيث أصبحت التكلفة 975 جنيهاً للمسافة من 76 إلى 100 كيلومتر، و1150 جنيهاً للمسافة من 101 إلى 125 كيلومتراً.
وللمسافات التي تتراوح بين 126 و150 كيلومتراً، تم تحديد السعر عند 1325 جنيهاً، بينما تبلغ التكلفة 1500 جنيه للمسافة من 151 إلى 175 كيلومتراً. وتصل التكلفة إلى 3775 جنيهاً للمسافات التي تتراوح بين 476 و500 كيلومتر.
أما بالنسبة للرحلات الطويلة بين المحافظات، فقد تم تحديد سعر النقل من محافظة جنوب سيناء إلى أسوان بمبلغ 9100 جنيه، ومن مطروح إلى أسوان بـ9300 جنيه.
وتأتي هذه الزيادات الكبيرة في ظل محاولات تطوير الخدمات، لكنها أثارت جدلاً حول تأثيرها على المواطنين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وشملت الأسعار الجديدة زيادة في مبلغ تأمين اليوم الرياضي لمدة ست ساعات ليصل إلى 5900 جنيه، بينما حُدد سعر انتخابات الجمعية العمومية بـ12500 جنيه. أما بالنسبة للتصوير السينمائي، فقد ارتفع سعر الخدمة إلى 49 ألف جنيه عن اليوم الواحد.
كما زادت الهيئة سعر ما يُعرف بـ"خدمة المصاحبة" للمريض من 500 إلى 700 جنيه. ومن الجدير بالذكر أنه تم تطبيق زيادة مقدارها 350% على جميع الأسعار المخصصة لغير المصريين، بما في ذلك الوافدون العرب. وهذه الزيادات تعكس التوجه نحو تطوير الخدمات، لكنها تثير تساؤلات حول تأثيرها على المواطنين والوافدين.
من جهته، أعلن رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، محمود العسقلاني، رفضه التام لهذه الزيادات، مشيراً إلى "ضرورة أن تكون القطاعات الخدمية بمنأى من الخصخصة والليبيرالية الاقتصادية".
وأكد "أن هذا القطاع الحساس لا يصلح أن يكون ضمن اتفاقات صندوق النقد".
وأشار إلى أن خفض النفقات الحكومية "يجب أن يبدأ من السيارات الفارهة والمواكب الحكومية بدلاً من تحميل المواطنين أعباء إضافية".
وتساءل عن "الميزة الحقيقية التي يمكن أن تحققها الحكومة من فرض رسوم على قطاع الإسعاف بدلاً من تقديم خدماته مجاناً، ولا سيما في الحالات الإنسانية التي يتعذر على المرضى تحمل تكاليفها".
وبررت هيئة الإسعاف المصرية قرارها زيادة الأسعار بأن التكلفة التي أعلنتها لا تغطي التكاليف الأساسية لتشغيل سيارات الإسعاف.
وأشارت إلى أن الأنظمة القديمة المقرة عام 2009 لم تُعدَّل على الرغم من ارتفاع أسعار المحروقات خلال السنوات الثماني الماضية.
كذلك أكدت أن الأسعار الجديدة لا تزال مدعومة من الدولة، مع مراعاة البعد الاجتماعي للحالات غير القادرة مالياً، والحوادث، ونقل المرضى بين المستشفيات الحكومية.
خطوة في طريق الخصخصة
وتمضي الحكومة قدماً في مخطط خصخصة الخدمات العلاجية للمواطنين تحت مسمى "التطوير"، بعد إقرار تشريع يسمح بتأجير المستشفيات العامة للقطاع الخاص لمدة 15 عاماً، من دون اكتراث بالفقراء ومحدودي الدخل الذين يعانون من المرض.
ويشكو أغلب المصريين من انفلات أسعار خدمات الرعاية الصحية، لا سيما في أعقاب جائحة كورونا، على وقع التكتلات الاحتكارية الخليجية، في وقت تسعى الحكومة لإشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية بصورة تدريجية، تثير الريبة من قرب خصخصة مرفق الإسعاف.
ووجّه نواب في البرلمان طلبات إحاطة إلى الحكومة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، حذروا فيها من مخاطر احتكار القطاع الخاص على الخدمات الطبية صحياً وأمنياً، بسبب زيادة وتيرة الاندماجات والاستحواذات في القطاع الصحي، الذي أصبح جاذباً بشكل كبير للمستثمرين نتيجة الأرباح والعوائد الضخمة التي تحققها المستشفيات المصرية، مقارنة بالدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط.
من جهتها اعترضت الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس على احتمال خصخصة القطاع الصحي داخل مصر ورفع أسعار الخدمات الصحية، ومن ضمنها خدمات الإسعاف، مشيرة إلى "ضرورة تقديم هذه الخدمات بأسعار في متناول المواطنين كافة".
وتساءلت عن جدوى رفع الأسعار إلى مستوى يتجاوز 195 دولاراً لطلب سيارة إسعاف، مشددة على وجوب أن تكون هذه السيارات مجهزة ومزودة بطبيب على درجة عالية من الكفاءة.
وأضافت رمسيس أن مصر "تُعَدّ الدولة الوحيدة في العالم التي تعلن بناء مجمعات سكنية فارهة وفي الوقت ذاته تطلب تبرعات لدعم القطاع الصحي".
واقترحت توسيع مظلة التأمين الصحي الشامل "لتغطي المواطنين جميعاً بدلاً من حسم مبالغ تأمين صورية".
وأعربت عن قلقها من دخول مرفق الإسعاف في عملية الخصخصة، مؤكدة "أن رفع أسعار الخدمات في قطاع الإسعاف غير الطارئ ليس له مردود اقتصادي كافٍ لتبريره".
وتنص المادة رقم (18) من الدستور على:
"لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة".