في الوقت الذي تروّج فيه حكومة عبدالفتاح السيسي، لقانون التصالح في مخالفات البناء كفرصة ذهبية لتقنين الأوضاع القانونية للعقارات المخالفة، وتفادي الهدم أو النزاعات القضائية، تتزايد مؤشرات العزوف الشعبي عن الاستجابة لهذه الدعوات، وسط حالة عامة من التشكك في جدوى الإجراءات، وإحساس واسع بأن القانون لم يعد يمثل ضمانة حقيقية.

ورغم تمديد العمل بالقانون للمرة الثالثة، لم يتجاوز عدد طلبات التصالح 665 ألفًا فقط من أصل 2.9 مليون حالة مخالفة، وفقًا لبيانات رسمية، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول أسباب الإحجام، ومدى فعالية آليات التطبيق، والأهم: لماذا فقد المواطن الثقة في قانون يُفترض أنه أُقر لصالحه؟
 

قانون "الفرصة الضائعة"؟
   صدر القانون لأول مرة عام 2019 (رقم 17 لسنة 2019)، ثم أُجري عليه أكثر من تعديل لتبسيط الإجراءات وخفض الرسوم، والتي تراوحت بين 50 و2500 جنيه للمتر بحسب طبيعة المخالفة والمنطقة الجغرافية.
غير أن ذلك لم يكن كافيًا لدفع المواطنين إلى الإقبال، وظلت التجاوب الشعبي ضعيفًا، ما اضطر الحكومة إلى تجديد المهل المقررة.

تقول الحكومة إن التمديد جاء استجابة لشكاوى المواطنين ورغبة في إعطاء فرصة أخيرة لتوفيق الأوضاع. لكنّ مراقبين يرون أن المشكلة أعمق من كونها فنية أو تنظيمية، بل ترتبط بفجوة متزايدة في الثقة بين المواطن والدولة.
 

تجارب محبطة.. ووعود مؤجلة
   تروي عبير محمد، معلمة من محافظة البحيرة، أنها ترددت طويلاً قبل التفكير في تقديم طلب تصالح، نتيجة تجربة سلبية سابقة لعائلتها.
تقول: "والدي قدم أوراقًا كاملة منذ عام 2020، ودفع مبالغ كبيرة، ولم يحصل إلا على إيصالات.. لا تسوية ولا موافقة نهائية".
وتضيف: "لماذا أعيد نفس التجربة الفاشلة؟".

وفي الإسكندرية، يروي أحمد جمال أن العقبات التي واجهها أثناء محاولته التصالح على شقته فوق بيت والده كانت كفيلة بصرفه عن الأمر: "طلبوا مني خريطة مساحية، وموافقة من نقابة المهندسين، واستشاري... بينما أسكن منذ 10 سنوات دون مشكلة، فلماذا أفتح هذا الملف؟".
 

أزمة ثقة أم تعقيد إداري؟
   النائب أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب، أقر بأن أعداد المتقدمين للتصالح "دون التوقعات"، مرجعًا ذلك إلى غياب الحسم في الملفات القديمة، واستمرار غموض خريطة الحيازات العمرانية، ما يربك المواطنين ويجعلهم في حالة تردد.

ويؤكد النائب حسن خير الله، الرئيس الأسبق للجنة الإسكان في الإسكندرية، أن القانون فشل في تحقيق أهدافه المالية والتنظيمية، موضحًا أن السبب لا يكمن فقط في التعقيدات الإدارية، بل في "فقدان الثقة الكاملة لدى المواطن، بعد أن دفع كثيرون أموالهم دون أن يحصلوا على شيء".
ويضيف: "إذا لم تضمن الدولة حسمًا عادلًا وشفافًا للطلبات السابقة، فلن يغامر أحد بالجديد".
 

القطاع العقاري يعاني.. والتنظيم مهدد
   يُجمع الخبراء على أن بقاء ملايين العقارات خارج الإطار القانوني الرسمي يُعد خطرًا كبيرًا على بيئة الاستثمار والسوق العقارية، إذ يعوق عمليات البيع، ويحرم أصحاب العقارات من التراخيص، ويزيد من احتمالات النزاعات القضائية أو قرارات الإزالة.

ويحذّر المهندس محمود بسيوني، مدير إحدى شركات التطوير العقاري، من أن استمرار الوضع الحالي يضر بمناخ الاستثمار ويؤسس لواقع هش.
ويقول: "مهما خفّضت الدولة الرسوم أو مدّت المهل، لا فائدة إذا استمرت الثغرات نفسها. يجب معالجة أصل المشكلة: الثقة، الشفافية، وضمان تسوية الملفات القديمة".