عرض تقرير حديث من مركز أتلانتيك كاونسل تحذيرًا صريحًا بشأن مصير مكانة الولايات المتحدة العالمية، مؤكدًا أن فقدان الدولار لهيمنته العالمية سيقوّض النفوذ الأميركي ويهدد استقرار النظام الاقتصادي العالمي.
التقرير، الذي أعدّه مارتن مولهايزن وفالبونا زينيلي، يرى أن تزايد الديون، والتحولات الجيوسياسية، والنزعات الحمائية، كلها عوامل تهدد استمرار "الامتياز الباهظ" الذي يمنحه الدولار لواشنطن.
 

امتياز الدولار العالمي
   
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حافظ الدولار على موقعه كعملة احتياطية رئيسية في العالم، ما منح الولايات المتحدة قدرة استثنائية على تمويل العجز بتكلفة منخفضة، مع الحفاظ على وجود عسكري واسع النطاق.
ساعدت هذه العلاقة المتبادلة بين قوة الدولار وهيمنة الولايات المتحدة في تأسيس نظام اقتصادي عالمي تقوده واشنطن.

لكن التقرير يُشير إلى تراجع حصة أميركا من الناتج العالمي من 20% عام 2000 إلى 15% اليوم، بينما تدفع دول مثل الصين وروسيا وأعضاء مجموعة بريكس نحو فك الارتباط بالدولار، بهدف تقليص فعالية العقوبات الأميركية.
 

أبرز التهديدات لهيمنة الدولار

  1. تصاعد الدَّين والعجز المالي
    ترتفع صافي التزامات أميركا الخارجية إلى ما يفوق 70% من الناتج المحلي، وهو مستوى يقترب من دول شهدت أزمات مالية. ويتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس وصول الدَّين إلى 118% من الناتج بحلول 2035، ما سيزيد تكلفة الاقتراض ويقيد الإنفاق الدفاعي والاجتماعي.
     
  2. التفتت الجيوسياسي
    تسارع اعتماد موسكو على اليوان بعد العقوبات الغربية (يشكل الآن 54% من تداول العملات الأجنبية فيها). ومع توسّع مجموعة بريكس إلى عشر دول تمثل ربع الاقتصاد العالمي، يزداد الضغط على النظام المالي القائم على الدولار.
     
  3. السياسات الحمائية
    يقترح الرئيس السابق ترامب فرض تعرفة جمركية بنسبة 10% على الواردات، ما قد يدفع دولًا أخرى لإنشاء كتل تجارية بديلة تستغني عن الدولار. كما أن دعوات لإضعاف الدولار لزيادة الصادرات الأميركية قد تُثير قلق المستثمرين العالميين.
     
  4. الإنهاك العسكري
    تقارب إنفاق الصين العسكري مع الولايات المتحدة (بعد تعديله بحسب القوة الشرائية)، وتفوقها في تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة، يعكس تراجعًا نسبيًا في التفوق الأميركي. تُسيطر الصين كذلك على 85% من تكرير المعادن النادرة، ما يُهدد سلاسل الإمداد الأميركية.

تداعيات فقدان الهيمنة

إذا فقد الدولار موقعه، ستواجه الولايات المتحدة عواقب قاسية: ارتفاع أسعار الفائدة ما يُقلّص القدرة على تمويل الدفاع والرعاية الاجتماعية. وانحسار النفوذ العالمي بعد تراجع فعالية العقوبات، وصعود منافسين عالميين. عدم استقرار اقتصادي بسبب تفكك شبكات التجارة وتقلب الأسواق.
 

مقترحات للحفاظ على قوة الدولار

  1. معالجة الخلل المالي
    يجب تقليص العجز للحفاظ على ثقة المستثمرين، وتجنّب المواجهات السياسية التي تضر بسوق السندات الأميركية.
     
  2. تعزيز التحالفات
    ينبغي توسيع التنسيق الاقتصادي داخل الناتو، وتعميق الشراكات في منطقة الهندو-باسيفيك لمواجهة النفوذ الصيني.
     
  3. تحديث النظام المالي
    يجب تنظيم العملات الرقمية بحذر دون خنق الابتكار، وتسريع تطوير الدولار الرقمي لمنافسة عملات البنوك المركزية الأخرى.
     
  4. الانفتاح على الجنوب العالمي
    يحتاج الغرب إلى بديل شفاف وجذاب لمبادرة الحزام والطريق الصينية، مع تسهيل وصول الدول النامية إلى الأسواق الأميركية.
     
  5. الأولوية للتفوق العسكري التكنولوجي
    الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والصواريخ فرط الصوتية، والتقنيات الفضائية ضروري للحفاظ على الردع، مع تأمين المعادن الحيوية خارج الهيمنة الصينية.

 

يختم التقرير بالتأكيد أن فقدان هيمنة الدولار لن يضر أميركا فقط، بل سيقوض الاستقرار الاقتصادي العالمي بأسره.
يمكن للولايات المتحدة تأمين هذا الدور لفترة أطول عبر سياسات ذكية، أما الانكفاء أو التساهل مع القوى المنافسة فسيقود إلى تفكك النظام الدولي الذي شُيّد بعد الحرب العالمية الثانية.

https://www.atlanticcouncil.org/content-series/atlantic-council-strategy-paper-series/why-the-us-cannot-afford-to-lose-dollar-dominance/