يشهد المشهد العالمي للطاقة تحوّلًا جذريًا، إذ انتقلت السياسات من التركيز على المناخ إلى إعطاء الأولوية لأمن الطاقة.
هذا التحول تعززه الأزمات الجيوسياسية، والانقسام الاقتصادي، وتغير أولويات القوى الكبرى.
وبالنسبة للدول الأفريقية، يفتح هذا التغير الباب أمام تحديات وفرص، خاصة مع معاناة أكثر من 600 مليون شخص من غياب الكهرباء الموثوقة، وتأثير فقر الطاقة على النمو الاقتصادي.
 

إعادة صياغة السياسة العالمية
   
هيمنت سياسات التخلي عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة المتجددة على المشهد العالمي سابقًا.
لكن حروب أوكرانيا وغزة دفعت الدول نحو التركيز على تأمين الطاقة.
في الولايات المتحدة، قاد دونالد ترامب هذا التوجه، بتوسيع إنتاج الوقود الأحفوري والتراجع عن التزامات التمويل المناخي.
أوروبا، رغم تعهداتها بالوصول إلى الحياد الكربوني، ما زالت تعتمد على الفحم والغاز.
أما الصين، فتمزج بين التوسع في الطاقة المتجددة وتعزيز أسطولها من محطات الفحم.

هذا التحول ليس جديدًا كليًا.
خلال أزمة النفط في السبعينيات، أنشأت الولايات المتحدة احتياطي النفط الاستراتيجي واستثمرت في الطاقة الشمسية لتقليل اعتمادها على نفط الشرق الأوسط. اليوم، تتكرر هذه الديناميكيات، حيث تبتعد الحكومات والمؤسسات المالية عن تعهدات خفض الانبعاثات.

بالنسبة لأفريقيا، يمثل هذا التحول مصدر إرباك وفرصة.
كثير من الدول الأفريقية لم تتبنَّ أجندة الانتقال الطاقي بالكامل، إذ غالبًا ما تعارضت مع أولويات التنمية الملحّة.
أما الآن، فتوفر السياسات العالمية الجديدة هامشًا أوسع للدول الأفريقية لتحديد مستقبلها الطاقي.
 

معضلة فقر الطاقة في أفريقيا
   
تواجه القارة السمراء أزمة طاقة حادة، إذ يفتقر حوالي 70% من السكان إلى وسائل طهي نظيفة، ويعتمدون على الحطب والفحم.
كما تؤثر الكهرباء غير الموثوقة سلبًا على التصنيع وتوفير فرص العمل وتقليص الفقر.
ورغم ذلك، قيدت السياسات المناخية الغربية استثمارات الوقود الأحفوري في أفريقيا، ما أثار انتقادات واتهامات بـ"الاستعمار المناخي"، حيث تُمنع الدول الفقيرة من تطوير مصادر الطاقة بينما تواصل الدول الغنية استهلاكها.

قرار البنك الدولي عام 2017 بوقف تمويل مشاريع النفط والغاز، وحملات مثل "لا للغاز" في موزمبيق، أثارت غضبًا واسعًا، لا سيما وأن دولًا غربية ما زالت تستخدم تلك الموارد بكثافة.
 

خمس ركائز لأمن الطاقة الأفريقي
يمكن لأفريقيا الاستفادة من التحول العالمي الحالي عبر اتباع نهج عملي قائم على خمس ركائز:

  1. تنويع مصادر الإنتاج
    يجب استغلال الموارد الطبيعية الغنية، كالسدود الكهرومائية (سد إنغا في الكونغو، وسد النهضة في إثيوبيا)، والطاقة الشمسية (خصوصًا في منطقة الساحل)، والطاقة الحرارية الأرضية (كينيا)، والغاز الطبيعي (غرب أفريقيا).
    هذا التنوع يوفر الاستقرار ويقلل الاعتماد على الخارج.
     
  2. تأمين التمويل
    تواجه مشاريع الطاقة الكبرى في أفريقيا صعوبات في جذب التمويل الغربي، ما يدفعها للاعتماد على القروض الصينية.
    لكن مع التغيرات العالمية، يمكن للدول الأفريقية الضغط من أجل تسهيل تمويل مشاريع الغاز والطاقة النووية، خاصة مع إعادة نظر البنك الدولي في سياساته، وظهور مؤسسات جديدة مثل "البنك الأفريقي للطاقة".
     
  3. شراكات تكنولوجية ذكية
    ينبغي التعاون مع الدول الرائدة في تقنيات الطاقة مثل التخزين، الشبكات الذكية، والمفاعلات الصغيرة، دون الوقوع في التبعية الكاملة لقوة واحدة. الشراكة مع قوى متوسطة كالهند، كوريا الجنوبية، والبرازيل، إلى جانب الاستثمار في البحث والتطوير المحلي، يعزز الاستقلالية.
     
  4. بناء سلاسل قيمة للطاقة
    يجب التعامل مع الطاقة كقطاع صناعي متكامل، لا مجرد خدمة. يتطلب ذلك تطوير صناعات محلية للألواح الشمسية، البطاريات، ومصافي الوقود، واستغلال الثروات المعدنية كالكوبالت والليثيوم.
    مشروعات إقليمية مثل ممر لوبيتو (بين زامبيا والكونغو وأنغولا) تعزز التجارة والصناعة في القارة.
     
  5. موقف أفريقي موحد
    ينبغي توحيد الموقف الأفريقي تجاه قضايا الطاقة.
    شكّل تبني الاتحاد الأفريقي عام 2022 للطاقة الغازية والنووية بداية جيدة، لكنه يحتاج لتعزيز عبر آليات تنسيقية مثل مبعوث قاري للطاقة، وتوحيد خطط الطاقة في التكتلات الإقليمية (كإيكواس وسادك) لزيادة التأثير في المحافل الدولية.

فرصة استراتيجية لأفريقيا
   
يشكل التركيز العالمي على أمن الطاقة سلاحًا ذا حدين لأفريقيا.
فهو يهدد بغياب التمويل المناخي اللازم للتكيف، لكنه يفتح المجال أمام الدول لتحديد استراتيجياتها الطاقية بعيدًا عن الضغوط الخارجية.
عبر تنويع المصادر، وتأمين تمويل مرن، وتكوين شراكات ذكية، وبناء صناعات محلية، يمكن للقارة أن تحول هذا التحول إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل طاقي مستدام ومزدهر.
مرحلة الانتقال الطاقي قد تتراجع، لكن عهد أمن الطاقة قد يحمل مفاتيح النهضة الأفريقية.

https://carnegieendowment.org/research/2025/05/africa-energy-security-transition?lang=en