تدهورت المؤشرات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث يتبع نظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي، سياسات اقتصادية وصفها مراقبون بأنها تمثل "إدارة فاشلة تُعزز الاستبداد وتعمّق الفقر"، برغم وعود التنمية والاستقرار، حيث بلغ الدين الخارجي نحو 165 مليار دولار بنهاية 2024، بينما تجاوز الدين المحلي 6.1 تريليون جنيه، وفق بيانات البنك المركزي المصري.
التضخم يلتهم دخول المواطنين
يعيش المصريون اليوم تحت وطأة تضخم متصاعد تجاوز 36% في أبريل 2025، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فأسعار السلع الأساسية مثل الخبز، والزيت، والأرز تضاعفت خلال عامين فقط، وسط عجز واضح من الحكومة في كبح جماح الأسعار أو حماية محدودي الدخل، ففي القرى، تُجبر بعض الأسر على الاكتفاء بوجبة واحدة يوميًا، بينما تشهد الأسواق الشعبية شبه عزوف من المواطنين بعد أن أصبح كيلو الأرز بـ30 جنيهًا، ولتر الزيت بـ60 جنيهًا.
قرى بلا خدمات..
رغم أن أكثر من 50% من سكان مصر يعيشون في الريف، فإن تلك المناطق تعاني من إهمال صارخ، في قرى مثل "كفر الطحاوية" بمحافظة الشرقية، يشكو الأهالي من انقطاع المياه لعدة أيام متتالية، وطرق ترابية غير ممهدة تحاصرهم شتاءً، وتجعل خروج الطلاب للمدارس مغامرة يومية، وفي صعيد مصر، يفتقر آلاف المواطنين في قرى سوهاج وقنا إلى شبكات صرف صحي، رغم إدراجهم في مشروعات "حياة كريمة" المعلنة منذ 2020، والتي تبقى حتى الآن حبرًا على ورق في كثير من المناطق.
أزمة المياه في قرى الصعيد
قرية القارة في مركز أبو تشت بمحافظة قنا تعاني من نقص حاد في المياه بسبب ارتفاع تكلفة تشغيل مضخات الآبار بعد رفع الدعم عن السولار في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016، الذي جاء مع قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار.
ارتفع سعر لتر السولار من 1.6 جنيه إلى نحو 7 جنيهات، مما ضاعف تكلفة ري الفدان الواحد من 128 إلى 270 جنيه شهرياً بحلول 2018، وهو ما أجبر المزارعين على ترك أراضيهم أو اللجوء لاستخدام الطاقة الشمسية بجهود ذاتية، في ظل غياب الدعم الحكومي.
ارتفاع معدلات الفقر في قرى الصعيد
ارتفعت معدلات البطالة بين الشباب إلى 28.5% بنهاية 2024، ما دفع كثير من الشباب إلى الهجرة غير الشرعية، كما يعيش في أفقر 1000 قرية في مصر نحو 10.3 مليون نسمة، معظمهم في محافظات الصعيد مثل أسيوط وبني سويف والمنيا، حيث تصل نسبة الفقر إلى أكثر من 50%، مع وجود نسبة كبيرة لا تجد قوت يومها، فأسيوط سجلت 58.1% فقراء، بني سويف 53.2%، وسوهاج 45.5%، مما يعكس تدهور الخدمات الأساسية وانعدام فرص العمل، وفقاً لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2013.
معاناة التعليم.. مدارس متهالكة ومناهج مشوهة
في مناطق مثل الفيوم وبني سويف، تفتقر المدارس إلى أبسط الإمكانيات، كراسي مكسورة، فصول بدون نوافذ، ومعلمون يعانون من تدني الأجور، فمشروع "تطوير التعليم" الذي تبنّاه نظام الانقلاب منذ 2018 تحوّل إلى مأساة، حيث أُهمل التعليم الفني، بينما ارتفعت مصروفات المدارس الحكومية المتميزة بنسبة تفوق 100%، ما جعل التعليم الجيد حلمًا بعيد المنال لأبناء الفقراء.
صحة بلا دواء.. ومستشفيات بلا أطباء
المستشفيات الحكومية، خصوصًا في الدلتا والصعيد، تعاني نقصًا حادًا في الأجهزة والأدوية، في مستشفى "فرشوط" بقنا، لا يتوفر جهاز أشعة مقطعية، ويُطلب من المريض السفر عشرات الكيلومترات للعلاج.
الخبز والدعم... بين تقليص وتهديد
في يوليو 2024، ألمحت الحكومة إلى نيتها تقليص دعم الخبز، ما أثار موجة غضب شعبي، رغم التراجع الظاهري عن القرار، إلا أن تقارير تشير إلى تقليص كميات الدقيق المدعوم للمخابز، ما تسبب في طوابير طويلة على الخبز البلدي، خاصة في محافظات الوجه القبلي، فالمواطنون في نجوع مثل "الهوابر" بمحافظة سوهاج يعانون من نقص في حصص الخبز.
تهميش المناطق الجبلية والبعيدة عن النيل
قرى "خط الجبل" في الصعيد، الواقعة على الجانب الغربي للنيل، تعاني من تهميش واضح، حيث تعتمد على استخراج المياه من الآبار بآلات تعمل بالسولار، وتواجه صعوبات كبيرة في الحصول على الدعم الحكومي لمشاريع تنموية، ما يجعلها عرضة للفقر المدقع والتخلف
برنامج "حياة كريمة" وتأثيره المحدود
أطلقت حكومة الانقلاب برنامج "حياة كريمة" عام 2019 لتوفير الدعم في الصحة والتعليم والسكن، لكنه يُعتبر معالجة عرضية للفقر، دون معالجة الأسباب الجذرية مثل انعدام المياه ودعم الزراعة، خاصة في قرى الصعيد التي لا تزال تعاني من نقص الخدمات الأساسية
محدودية فرص المشاركة... وتزايد الاحتقان الشعبي
تُقصى المعارضة السياسية والنقابات المستقلة عن أي دور رقابي أو تشاركي في رسم السياسات، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأخطاء الاقتصادية والاجتماعية، فالمواطن في الشارع -خصوصًا في الأقاليم- يشعر بأنه مهمّش، بلا صوت ولا تمثيل حقيقي. ومع تفاقم الأزمات، ترتفع مؤشرات الغضب الصامت في القرى والنجوع، خاصة مع ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات.
غياب التنسيق الحكومي والمركزية الإدارية
هذه الأمثلة تعكس واقعاً مأساوياً لانعدام الخدمات العامة في القرى والنجوع بالصعيد، والأرقام والتواريخ تدعم حجم المعاناة المستمرة منذ منتصف العقد الماضي وحتى اليوم.
خاتمة
يرجع غياب الخدمات في القرى إلى نقص التنسيق بين المبادرات المحلية والحكومة المركزية، بالإضافة إلى مركزية الإدارة التي تمنع وصول الدعم الفعلي إلى المناطق النائية، مما يزيد من تهميش سكان الصعيد سياسياً واقتصادياً.
فما يحدث اليوم في المحافظات والقرى المصرية هو نتاج مباشر لحكم عسكري يُدير الدولة بعقلية أمنيّة لا اقتصادية، فقد فشل النظام في تحقيق التنمية المتوازنة، وتفاقمت الأزمات الاجتماعية والمعيشية على نحو غير مسبوق.
ليبقى السؤال: إلى متى سيستمر استغلال المواطن البسيط في تمويل مشروعات فاشلة، بينما تُهمّش حقوقه الأساسية في السكن والصحة والتعليم؟ الواقع يقول إن مصر تدفع ثمن انقلاب عسكري لم يجلب معها سوى المزيد من الفقر والانقسام والمعاناة.