في خطوة أثارت موجة من الغضب والجدل، أعلنت وزارة الإسكان المصرية، يوم الأربعاء 21 مايو 2025، عن طرح جديد لشقق الإسكان المتوسط ضمن مشروع "سكن مصر"، بأسعار تضاعفت بنسبة 100% مقارنة بالطرح الأخير في عام 2022.
هذه القفزة السعرية الحادة أثارت تساؤلات حول مدى التزام النظام الحالي بتوفير سكن لائق وميسر للمواطن المصري، وأعادت إلى الواجهة مجددًا فشل السياسات الاقتصادية لنظام عبد الفتاح السيسي الذي تولى السلطة عقب انقلاب عسكري عام 2013.
شهدت أسعار شقق الإسكان المتوسط في مصر ارتفاعًا حادًا خلال طرح مشروع "ديارنا" للإسكان المتوسط في أبريل 2025، حيث تضاعفت الأسعار تقريبًا مقارنة بالمشروعات السابقة، مما يعكس فشل الإدارة الاقتصادية في توفير السكن الملائم بأسعار معقولة لمتوسطي الدخل، فقد بلغ سعر المتر في بعض المدن مثل القاهرة الجديدة 20,000 جنيه، وفي حدائق أكتوبر 18,900 جنيه، بينما تراوحت الأسعار في مدن أخرى بين 15,000 و18,700 جنيه للمتر، وهو ما يمثل زيادة تقارب 100% مقارنة بالمشروعات السابقة مثل "سكن مصر".
وفقًا للبيان الصادر عن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بلغ سعر المتر في بعض المدن الجديدة مثل القاهرة الجديدة و6 أكتوبر أكثر من 14,000 جنيه، مقارنة بـ7,000 جنيه فقط في الطرح السابق، بينما ارتفع السعر الإجمالي للشقة متوسطة الحجم إلى نحو 1.5 مليون جنيه، وهو ما يمثل عبئًا ماليًا هائلًا على الأسر المصرية ذات الدخل المتوسط، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وتدهور قيمة الجنيه المصري.
محدودية العرض مقابل ارتفاع الطلب
هذا الارتفاع الكبير في أسعار الشقق يضع عبئًا ماليًا هائلًا على المواطنين، خاصة مع محدودية عدد الوحدات المطروحة، حيث تم طرح 60 ألف شقة كاملة التشطيب ضمن المرحلة الأولى من مشروع "ديارنا" في 15 مدينة جديدة، ضمن خطة ضخمة تشمل طرح أكثر من 400 ألف وحدة سكنية حتى أبريل 2026، ومع ذلك، فإن عدد الشقق المتاحة لا يتناسب مع أعداد المواطنين الراغبين في التملك، مما يخلق حالة من التنافس الشديد ويتيح للحكومة الاستفادة من أموال مقدمات الحجز التي تصل إلى 100 ألف جنيه للشقة الواحدة في بعض الحالات، رغم محدودية العرض.
الوعود الحكومية مقابل الواقع الاقتصادي
تأتي هذه الزيادة في الأسعار في ظل وعود الحكومة بتوفير وحدات سكنية بأسعار مناسبة لمتوسطي الدخل، لكنها في الواقع تعكس سياسة اقتصادية فاشلة أدت إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، حيث ارتفعت أسعار الوحدات السكنية من مليون و200 ألف إلى مليون و500 ألف جنيه للشقة الواحدة بمساحات تتراوح بين 100 و120 متر مربع، وهو مبلغ يفوق إمكانيات الكثير من الأسر المصرية، كما أن مقدم الحجز المرتفع الذي يصل إلى 150 ألف جنيه في بعض المشروعات مثل "جنة مصر" في المنصورة الجديدة يزيد من صعوبة الوصول إلى السكن.
استغلال المواطنين وجمع الأموال مقدمًا
هذا التوجه الحكومي في رفع الأسعار واستغلال أعداد كبيرة من المواطنين الراغبين في التملك من خلال جمع مبالغ مالية كبيرة مقدمًا، رغم محدودية عدد الشقق، يشير إلى استغلال واضح للوضع الاقتصادي الصعب، حيث يُجبر المواطنون على دفع مبالغ كبيرة مقدمًا في انتظار التخصيص، مما يدر أرباحًا ضخمة على الدولة والبنك العقاري، دون أن يرافق ذلك تحسن حقيقي في جودة الحياة أو تخفيف أعباء السكن.
نظام السداد الطويل وتأثيره على المواطنين
على صعيد آخر، فإن نظام السداد الذي يمتد حتى 20 سنة مع مقدمات عالية لا يعكس سوى محاولة الحكومة لتغطية عجزها المالي من خلال استنزاف المواطنين، بدلاً من تبني سياسات اقتصادية تنعش الاقتصاد وتحسن الدخل الحقيقي للمواطنين، كما أن الأسعار الثابتة التي تفرضها الحكومة دون مرونة أو تخفيضات تعزز من أزمة الإسكان وتزيد من معاناة الفئات المتوسطة.
التبعات الاجتماعية للأزمة الإسكانية
من الناحية الاجتماعية، فإن هذه السياسات تؤدي إلى اتساع الفجوة بين الطبقات، حيث يصبح السكن الجيد حكراً على أصحاب الدخل المرتفع، في حين يعاني معظم المصريين من أزمة سكن حقيقية، مع ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع فرص العمل، وهذا يعكس إخفاق الانقلاب العسكري في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، إذ لم تنجح سياساته في تحسين حياة المواطنين أو توفير احتياجاتهم الأساسية.
الأزمة الاقتصادية وتفاقم التضخم
هذه الأزمة الإسكانية تأتي في ظل تراجع مؤشرات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، مما يزيد من الضغوط على الأسر المصرية، كما أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، مع احتمال زيادة الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة بسبب سوء إدارة الاقتصاد وتدهور مستوى المعيشة.
لكن الأخطر من ذلك، وفق ما يراه مراقبون واقتصاديون مستقلون، هو أن الدولة تستخدم هذه الطروحات السكنية كأداة لجمع السيولة من المواطنين، دون توفير عدد مناسب من الوحدات، ما يحوّل تلك المشروعات إلى ما يشبه "شركات توظيف أموال"، حيث تتلقى الحكومة مقدمات حجز ضخمة من مئات الآلاف من المواطنين، بينما تُخصص الشقق لعدد محدود لا يتجاوز العُشر أحيانًا، كما حدث في طرح 2023، حين تقدم أكثر من 300 ألف مواطن للحجز بينما لم تطرح الدولة سوى 25 ألف وحدة فقط.
ويرى كثيرون أن هذه السياسة تهدف في المقام الأول إلى امتصاص السيولة من السوق دون تقديم خدمة حقيقية تتناسب مع حجم الأموال المحصلة، حيث تتجاوز قيمة مقدمات الحجز الإجمالية في بعض الطروحات 20 مليار جنيه، بينما لا يتم استغلال تلك الأموال فعليًا في تطوير البنية التحتية أو تحسين الخدمات، بل تذهب في كثير من الأحيان لتمويل مشروعات ضخمة تفتقر إلى الجدوى الاقتصادية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، التي باتت ترمز لسياسات إنفاقية غير رشيدة.
في الختام..
إن ما يحدث في سوق الإسكان المتوسط في مصر يعكس بوضوح فشل الانقلاب العسكري في إدارة اقتصاد البلاد، حيث يتم استغلال حاجة المواطنين للسكن من أجل تحقيق أرباح مالية ضخمة على حساب الفئات المتوسطة والمحدودة الدخل.
كما أن طرح شقق بأسعار خيالية تحت مسمى "إسكان متوسط" لا يمكن فصله عن مجمل السياسات الاقتصادية لنظام جاء إلى الحكم بالقوة، واستبدل وعود العدالة الاجتماعية بإجراءات تقشفية أثقلت كاهل المواطن، ووجّه موارد الدولة إلى مشاريع لا تخدم إلا النخبة المقربة من السلطة، ولا تزال مصر تدفع ثمن انقلاب عسكري أنهى المسار الديمقراطي، وفرض نموذجًا اقتصاديًا يُقصي الفقراء ويُراكم الثروات في يد قلة على حساب الأغلبية.