بدأ جهاز «مستقبل مصر للتنمية المستدامة»، التابع للقوات الجوية، أعمال حصر أراضي بحيرة البرلس بمحافظة كفر الشيخ، تمهيدًا لتسلّم إدارتها، بحسب ما أفاد به مصدران أحدهما في وزارة الزراعة، والآخر في جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية.
وتأتي هذه الخطوة استكمالًا لمسار بدأه الجهاز في السنوات الأخيرة، عبر السيطرة على بحيرات ناصر، والمنزلة، والبردويل، بموجب قرارات حكومية صدرت تباعًا منذ العام الماضي.

وبالتزامن مع هذه التحركات، دعا عبد الفتاح السيسي، أمس الأربعاء، صيادي البحيرات إلى «التعاون مع الدولة للحفاظ على النظام البيئي»، في إشارة اعتبرها مراقبون تمهيدًا لقبول الصيادين بالأمر الواقع الجديد.
 

من خدمة المواطنين إلى تحصيل الأرباح
   تحولات إدارة الثروة السمكية في مصر بدأت منذ دمج الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية في كيان اقتصادي هو جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، في عام 2021، وهو ما فتح الباب أمام رفع الإيجارات وتكاليف التشغيل، على حد تعبير أحد المسؤولين السابقين بالهيئة، الذي قال:

«قبل الدمج، كانت الهيئة تحصل على دعم سنوي يتجاوز مليار و79 مليون جنيه. لكن بعد تحويلها إلى جهة اقتصادية، أصبح مطلوبًا منها تحقيق عائد يغطي هذا الدعم.
وبالتالي، تم رفع إيجارات المزارع السمكية، ما أدى إلى زيادة أسعار الأسماك، خاصة وأن 80% من الأسماك في السوق المحلي مصدرها المزارع».

ويُخشى الآن أن يؤدي انتقال صلاحيات إدارة بحيرة البرلس -وهي إحدى أكبر بحيرات مصر الطبيعية- إلى جهاز «مستقبل مصر» إلى تكرار السيناريو نفسه، بل وتضخيمه، نظرًا للطابع العسكري الصارم للجهاز الذي لا يخضع لرقابة مدنية أو مساءلة برلمانية.
 

من زراعة القمح إلى صيد الأسماك
   أنشئ جهاز «مستقبل مصر للتنمية المستدامة» في الأصل كمشروع زراعي ضخم يتبع القوات الجوية، بهدف إنتاج المحاصيل الاستراتيجية، على رأسها القمح. لكنه تحول بقرار رئاسي صدر عام 2022 -لم يُنشر حتى اليوم في الجريدة الرسمية- إلى كيان واسع الصلاحيات، يمتد نشاطه ليشمل:

استيراد السلع الاستراتيجية بدلًا من الهيئة العامة للسلع التموينية؛ وإدارة بورصة السلع؛ واستلام القمح المحلي من الفلاحين؛ وإدارة البحيرات.

ويمثل هذا التمدد تحولًا نوعيًا في علاقة المؤسسة العسكرية بالاقتصاد الوطني، حيث لم تعد تتدخل فقط في الإنتاج أو التوزيع، بل باتت تسيطر على مفاصل العرض والطلب، من المزرعة إلى السوق، ومن المياه إلى الموائد.
 

صيادو البردويل يدفعون الثمن
   تجربة جهاز «مستقبل مصر» في إدارة بحيرة البردويل بشمال سيناء، التي تُعد مصدرًا رئيسيًا للأسماك المصدّرة إلى أوروبا، تثير القلق بشأن مصير البرلس.
فقد اشتكى عدد من الصيادين هناك من فرض قيود وصفوها بـ«المجحفة»، شملت تقليص عدد أيام الصيد، وتقييد نوعية المعدات المستخدمة، وفرض تصاريح مشددة، وهو ما أدى إلى وقف نشاط مئات الصيادين.

وعندما اعترض الصيادون على هذه السياسات، كان الرد من الجهاز حاسمًا: إيقاف الصيد تمامًا، ما حوّل بحيرة البردويل من مصدر رزق لعائلات بأكملها إلى منطقة محرّمة، بقرار فوقي لا يمكن الطعن فيه أو التفاوض حوله.
 

البرلس على خط النار
   بحيرة البرلس، ثاني أكبر البحيرات الطبيعية في مصر بعد المنزلة، كانت لعقود مصدرًا رئيسيًا لرزق عشرات الآلاف من الصيادين في محافظة كفر الشيخ، كما أنها تمثل رئة بيئية مهمة، حيث تضم تنوعًا بيولوجيًا نادرًا، ومساحة شاسعة من الأراضي الرطبة.

ويرى خبراء في البيئة البحرية وممثلو نقابات الصيادين أن تسليم إدارة البحيرة لجهاز غير مختص قد يؤدي إلى: انتهاك الحقوق التقليدية للصيادين؛ وتقليص فرص الصيد الحر؛ وارتفاع أسعار الأسماك نتيجة احتكار الإدارة والتسويق؛ وإلحاق أضرار جسيمة بالتوازن البيئي.

ويحذر نشطاء في مجال البيئة وحقوق الصيادين من أن التوسع غير المنضبط في صلاحيات هذا الجهاز يُنذر بخصخصة مموّهة للمياه العامة والثروات الطبيعية تحت لافتة "التنمية المستدامة".