في مواجهة غير مسبوقة داخل البرلمان، استطاع الأزهر الشريف قلب الطاولة على محاولات تقليص دوره في المجال الديني، ليفرض كلمته بشأن مشروع قانون تنظيم الفتوى، وينتزع انتصاراً معنوياً ودستورياً على تحالف جمع بين رئيس لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب علي جمعة ووزارة الأوقاف.
هذا الصدام السياسي والتشريعي أعاد النقاش حول عبارة "المجلس سيد قراره" التي لطالما مثّلت غطاءً برلمانياً للانفلات من أحكام القضاء، قبل أن تُسقطها تعديلات دستورية لاحقة وتطورات قضائية صارمة.
 

الأزهر ينتصر.. والبرلمان يرضخ

مع بدء مناقشات البرلمان لمشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، بدا واضحاً أن الحكومة مدعومة من لجنة الشؤون الدينية تسعى لتقليص نفوذ الأزهر كمؤسسة دينية مرجعية، عبر تمرير صيغة تشريعية تعيد توزيع أدوار الفتوى بين دار الإفتاء ووزارة الأوقاف، في سياق ما وصف سابقاً بـ"تجديد الخطاب الديني".
غير أن المؤسسة الأزهرية خاضت معركة تشريعية شرسة انتهت بفرض تعديلات جوهرية على المشروع، لتعيد تأكيد مكانتها كمصدر رئيس للعلوم الدينية والشؤون الإسلامية في الدولة.

وبحسب مصادر برلمانية مطلعة، فإن الأزهر حشد دعماً سياسياً وقانونياً واسعاً لرفض الصيغة الحكومية المقترحة، ما اضطر لجنة الشؤون الدينية إلى الموافقة على تمرير كافة التعديلات التي قدمها، وهو ما اعتبر هزيمة صريحة لـ"علي جمعة"، الذي حاول إحياء مقولة "المجلس سيد قراره" كأداة ضغط لإقرار النصوص الحكومية.
 

إسدال الستار على "سيادة القرار"

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تكررت عبارة "المجلس سيد قراره" على لسان رئيس البرلمان الأسبق رفعت المحجوب، ثم خلفه فتحي سرور، كأداة لمقاومة أحكام القضاء التي تقضي بإسقاط عضوية نواب فازوا بالتزوير أو بالمخالفة للدستور، وقد أسفرت تلك السياسة عن تكريس مبدأ الحصانة البرلمانية الواسعة التي فاقت حدود القانون.

لكنّ هذه المعادلة تبدلت جذرياً مع دستور 2014، الذي منح محكمة النقض سلطة الفصل في صحة عضوية النواب، وجعل تنفيذ أحكامها أمراً ملزماً وفورياً.
يقول النائب أحمد الشرقاوي، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، إن شعار "المجلس سيد قراره" أصبح بلا محل دستوري، إذ أن البرلمان بات ملزماً بتنفيذ الأحكام القضائية فور صدورها، وإلا تعرض للطعن بعدم دستورية القوانين الصادرة عنه.
 

من الشوبكي إلى الأزهري.. محطات في طريق الانكسار

الشرقاوي استشهد بحالة النائب السابق أحمد مرتضى منصور، الذي أبطلت محكمة النقض عضويته في عام 2016، لصالح الكاتب عمرو الشوبكي، بعد إثبات تلاعب في نتائج الانتخابات.
ورغم مماطلة المجلس حينها في تنفيذ الحكم، إلا أن مرتضى لم يمارس صلاحياته كنائب حتى نهاية الدورة، ما عكس بداية نهاية عهد "القرارات السيادية" المنفصلة عن حكم القضاء.

ومع تكرار صدور أحكام بعدم دستورية بعض مواد قوانين البرلمان خلال السنوات الماضية، كان المجلس يُجبر على إعادة صياغتها تحت رقابة المحكمة الدستورية، في سابقة لم تكن تحدث في عهد المجالس القديمة.
 

القانون تحت سلطة المحكمة

الدكتور فتحي فكري، أستاذ القانون العام بجامعة القاهرة، أوضح أن إلغاء مبدأ "المجلس سيد قراره" تم بشكل نهائي في دستور 2012 ثم ترسخ في دستور 2014، بعد منح محكمة النقض صلاحية نهائية للفصل في صحة عضوية النواب.

كما أن صدور اللائحة الداخلية لمجلس النواب في صورة قانون، جعلها خاضعة لرقابة المحكمة الدستورية، ما أنهى عملياً قدرة البرلمان على فرض تشريعات أو مواقف مخالفة للدستور، أو تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية.