تشهد مصر في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في معدلات جرائم الوحشية والعنف والقتل التي هزّت الرأي العام، ما يثير قلقًا واسعًا في الأوساط المجتمعية. فقد تنوعت دوافع الجرائم بين خلافات أسرية، وانتقام شخصي، وجرائم عشوائية، وسط انتشار الأسلحة البيضاء وسهولة ارتكاب الجرائم. واستمرار هذه الظاهرة يؤكد الحاجة إلى معالجة شاملة تتجاوز الردع القانوني إلى البعد الثقافي والاجتماعي.

ونستعرض في هذا التقرير أبرز 6 جرائم انتهت بذبح الجاني للضحية في عرض الشارع وأمام المواطنين.

 

ذبح أطفاله الثلاثة وزوجته

وهزت جريمة ذبح طبيب أطفاله الثلاثة وزوجته بمدينة كفر الشيخ الرأي العام؛ حيث وصف رواد مواقع التواصل الاجتماعي الحادثة بأنها «بشعة» و«خطيرة».

واستطاعت مباحث كفر الشيخ فك طلاسم الجريمة بسرعة شديدة، رغم ادعاء الزوج المتهم بالقتل، في البداية، بأنه وجد زوجته وأبناءه مقتولين من قبل مجهولين، لدى وصوله للمنزل، قبل إبلاغه الشرطة. لكن بعد تضييق الخناق عليه اعترف أخيراً بارتكابه الجريمة بسبب وجود خلافات أسرية بينه وبين زوجته.

وسلطت وسائل الإعلام الأضواء على هذه الجريمة البشعة، قبيل انتهاء عام 2018 بساعات قليلة، واهتمت بنشر تفاصيلها بشكل لافت على مدار الساعة، حتى تم الإعلان عن القاتل الحقيقي الذي قام بتمثيل جريمته بعد اعترافه.

 

سيدة فاقوس

وهي الجريمة صدمت مصر برمتها حين أقدمت أم على ذبح طفلها البالغ خمس سنوات، وأشيع حينها أنها طهت جثته وأكلت أجزاء منها، كما انتشرت شائعات تفيد بأنها تعاني من اضطراب نفسي.

إلا أن تطورات جديدة طرأت على القضية كشفت غير ذلك، وأكدت أنها لا تعاني من أي مرض نفسي، كما كان يعتقد.

جاء في أمر الإحالة أن "المتهمة قد عقدت العزم وبيتت النية على قتل طفلها المجني عليه لرغبتها في الاستئثار به مع خوفها من أن يبعده عنها مُطلقها، وأعدت لذلك عصا فأس كانت بمسكنها وغلقت منافذه وانفردت بالمجني عليه مستغلة اطمئنانه إليها وسكونه في وجودها، فغافلته وانهالت على رأسه بثلاث ضربات بالعصا قاصدة إزهاق روحه فأحدثت إصابته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته.

وفي سبيل إخفاء أثر جريمتها وحتى لا يفتضح أمرها قطّعت جثمانه إلى أشلاء وانتزعت اللحم عن العظم وأذابت الأحشاء وبعض الأشلاء بطهيها لإخفاء معالمها، وقبيل ضبطها من ذويها والجريمة متلبسة بها جمعت ما تبقى من الأشلاء والعظام وأخفتهم بدلو حتى اكتشف أمر جريمتها على النحو المبين في التحقيق.

 

سفاح الإسماعيلية

في نوفمبر 2021 شهدت أحد الشوارع بمحافظة الإسماعيلية، جريمة هزت أنحاء المحافظة، بعدما أقدم الشاب عبد الرحمن نظمي الشهير بـ"دبور" على ذبح عامل وسط الشارع أمام أعين المارة باستخدام سلاح أبيض "ساطور"، ولم يكتف الشاب بذلك بل فصل رأس العامل عن جسده وتجول بها بين المارة في مشهد مرعب وسط ذهول المواطنين الذين تعالت صيحاتهم.

بعد مرور 66 يومًا على الحادث أسدلت محكمة جنايات المنصورة الستار عن القضية، وقضت بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقًا، وفي 22 مايو 2024 أيدت محكمة الطعن حكم إعدام المتهم ورفض الطعن المقدم من سفاح الإسماعيلية.

 

ذبحها أمام حرم الجامعة

وفي 20 يونيو 2022، شهدت المنصورة الجريمة الأشهر من هذا النوع، إذ قام طالب بجامعة المنصورة شمالي البلاد يدعى محمد عادل بذبح زميلته نيرة أشرف في الشارع أمام حرم الجامعة لرفضها الزواج منه وقضت المحكمة بإعدامه، وتم تنفيذ الحكم فيه أخيرًا.

دراسة حديثة مشتركة بين المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية والمجلس القومي للمرأة بعنوان "العنف ضد المرأة ..الأبعاد وآليات المواجهة"، قالت إن 75 في المئة من النساء في مصر يتعرضن للعنف بأشكال مختلفة.

وفي تعليقه على تلك الجرائم قال الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية: "إن جرائم القتل موجودة منذ كان يوجد فردان فقط على وجه الأرض هما هابيل وقابيل، وقيام رجل بقتل سيدة رفضته أو قيام سيدة بقتل رجل رفضها هي مجرد أسباب للقتل مثل أي أسباب أخرى".، وفقًا لـ"BBC".

وتابع قناوي أنه "لا يمكن أن نقول إن المسألة أصبحت خطرًا بسبب كثرة جرائم قتل الرجال للسيدات، لأن هناك أيضًا سيدات يقتلن الرجال لنفس الأسباب وهي الحب أو رفض الارتباط أو الانفصال".

وشدد على أن "الخطورة الحقيقية تكمن في ازدياد سلوكيات حب التملك في المجتمع بشكل كبير بين الجنسين والذي بات يمثل تهديدا حقيقيا"

وأوضح قناوي أن هذا يرجع للتربية الخاطئة التي تقوم على تلبية كل مطالب الأطفال منذ الصغر مما جعلتهم يشعرون بالإهانة عند أي رفض أو عدم تلبية مطلب لهم.

وختم قائلاً إن الحل يكمن في التنشئة السليمة القائمة على تعليم الطفل منذ الصغر قبول الاختلاف وعدم تلبية كل رغباته وأن احترام رغبات الآخرين واختياراتهم هي أساس الأخلاق والدين.

 

فصل رأس عامل بالأقصر

وشهد الشارع، 20 يناير 2025، جريمة بشعة اهتزت لها الأنفس، إذ سجل مقطع فيديو قتل شاب لجاره وفصل رأسه بطريقة مروعة باستخدام سكين ثم تجول برأسه في الشارع في منطقة أبو الجود وسط مدينة الأقصر، الأمر الذي أصاب الكثير بالرعب والذهول.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور جمال فرويز استشاري الصحة النفسية، إن ارتكاب هذه الجريمة المروعة آخرها بالأقصر وغيرها من الجرائم المتشابهة قد يرجع إلى غياب الوعي الثقافي والديني، بالإضافة إلى كثرة مشاهدة الفيديوهات التي تحتوي على جرائم العنف مثل الأعمال الدرامية أو فيديوهات على أرض الواقع التي رصدتها الكاميرات المتواجدة عبر السوشيال ميديا، والتي تخزن داخل المخ عند بعض الأشخاص ويتم تطبيقها خلال التعرض لمواقف متشابهة.

وتابع "فرويز" أن ارتكاب هذه الجرائم المتكررة يرجع سببها أيضًا إلى تعاطي المواد المخدرة المستحدثة مثل الأيس والاستروكس والشابو التي قد تسبب بعض الأمراض النفسية لدى الشخص المتعاطي وتسبب له اضطراب ذهاني ناتج عن تعاطي المخدرات، وفقًا لـ"الشروق".

وأضاف أن الشخص الذي يعاني من الاضطراب النفسي مثل مرض الهوس يرتكب جرائمه بدون تميز، وليس بالقتل بهذه الوحشية وفصل الرأس والتجول بها وسط الشارع وأمام أعين المارة، فقد يكون مرتكب الجريمة مصابًا باضطراب ذهاني ناتج عن تعاطي المواد المخدرة بالإضافة إلى مشاهدة بعض الفيديوهات التي تحوي على جرائم العنف.

 

يقتل والده ويفصل الرأس عن الجسد

في حادثة مروعة هزّت محافظة أسوان، الثلاثاء 20 مايو 2025، أقدم شاب مدمن على قتل والده المسن، البالغ من العمر 95 عامًا، وفصل رأسه عن جسده ومثّل بجسده داخل منزل الأسرة في قرية الكوبانية التابعة لمركز أسوان.

وفقًا للتحقيقات، فإن الجاني قام أولاً بذبح حمار صغير داخل المنزل، ثم ارتكب جريمته تحت تأثير مخدر "الشابو"، حيث اعترف بانتظاره والده العائد من صلاة الفجر، ويُدعى علي أبو زيد محمد (95 عامًا)، ثم هاجمه بخنجر، موجهًا له طعنات قاتلة قبل أن يفصل رأسه عن جسده.

كما حاول المتهم أيضًا التعدي على زوجته لكنها فرت هاربة، قبل أن يغادر مجددًا في محاولة لذبح حمار آخر، ما أثار ذعر الأهالي الذين تمكنوا من السيطرة عليه وربطه بشجرة حتى وصول الشرطة، التي ألقت القبض عليه على الفور.

ويذكر بأن المتهم يدعى "أسعد" وهو العقد الثالث من عمره، مقيم بقرية الكوبانية، نجع الحجر، التابعة لمركز أسوان، ويعمل في إحدى شركات المقاولات بمدينة أسوان.

أفادت مصادر أمنية بأن المتهم، كان يعاني من إدمان المخدرات، ما أدى إلى تدهور حالته النفسية وتصاعد سلوكياته العنيفة تجاه أسرته.

وجرى نقل جثة الضحية إلى مشرحة أسوان بعد وصول النيابة العامة، التي باشرت التحقيقات واتخذت الإجراءات القانونية اللازمة.

 

تصاعد حوادث العنف

وتأتي هذه الجريمة في سياق تصاعد مقلق لحوادث العنف في مصر خلال الفترة الأخيرة، حيث شهدت البلاد سلسلة من الجرائم البشعة، تراوحت بين القتل والتعذيب ومحاولات الانتحار، ما أثار حالة من القلق والجدل المجتمعي.

ويرى مختصون أن الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، وتدهور الأوضاع النفسية، تسهم بشكل كبير في دفع بعض الأفراد إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، سواء بدافع الغضب أو نتيجة لانهيارات نفسية حادة.

ورغم غياب إحصاءات رسمية دقيقة حول معدلات الجريمة، تُظهر بيانات موقع "نامبيو" العالمي أن مصر سجلت 47.3 نقطة على مؤشر الجريمة لعام 2024، ما يضعها في المرتبة السادسة عربيًا بعد دول تعاني من نزاعات مسلحة كاليمن وسوريا والصومال، وفي المرتبة 65 عالميًا.

ويحذر خبراء من أن استمرار تفشي مثل هذه الجرائم دون وضع حلول وقائية وعلاجية فعالة ينذر بمزيد من التدهور في النسيج المجتمعي، ويستدعي تحركًا عاجلًا لمعالجة جذور الظاهرة، سواء على المستوى الأمني أو الاجتماعي والنفسي.

 

تراجع القيم

الدكتورة سوسن فايد، أستاذة علم الاجتماع، بـ«المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية»، أرجعت أسباب انتشار تلك الحوادث البشعة في الآونة الأخيرة، إلى اجتماع عدة عوامل في توقيت واحد، مثل الأزمات النفسية، والمادية، وتناول المخدرات، والتعرض لأخبار الجريمة من وسائل الإعلام بشكل متكرر.

وأضافت «أزمة تراجع القيم التي يعاني منها المجتمع المصري حالياً، تساهم بشكل رئيسي في الحوادث البشعة التي شهدتها البلاد أخيراً». ولفتت إلى أن «هذه الأزمة لم تلقَ اهتماماً من الجهات المعنية على مدار السنوات الماضية"، وفقًا لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت فايد أن «بعض الأمراض النفسية، ومن بينها الاكتئاب، قد يدفع بعض المواطنين إلى التخلص من حياتهم ومن حياة أبنائهم، في لحظة ضعف، بعدما استقر في وجدانهم أن التخلص من الحياة، هو الحل الوحيد للخروج من أزماتهم».

وأوصت فايد بـ«ضرورة اللجوء إلى الطب النفسي، وتغيير النظرة المجتمعية حوله، وعدم اعتبار جميع مرضاه مختلين عقلياً، للخروج من تلك الأزمة، أو للحد من انتشارها».

وقال الدكتور سامح حجاج، نائب مدير مستشفى العباسية للأمراض النفسية: «لا نستطيع الربط بين الجرائم الأسرية البشعة والأمراض النفسية، لعدم صدور إحصائيات وأرقام تحصر أعدادها، إضافة إلى أن أبطال الجرائم الأخيرة ليسوا مختلين عقلياً؛ حيث اختاروا القتل ومفارقة الحياة من تلقاء أنفسهم، بعد التعرض لأمور وأزمات وخلفيات محددة تسببت في ذلك».