مع انطلاق موسم الزراعة الصيفي، تتجدد أزمة باتت مزمنة تهدد القطاع الزراعي كل عام، لكنها هذا الموسم اتخذت منحى أكثر خطورة: غياب شبه تام للأسمدة المدعمة من الجمعيات الزراعية، وتوحش السوق السوداء، وسط صمت رسمي وغياب رقابي، في وقت تمثل فيه الزراعة ركيزة أساسية للأمن الغذائي في البلاد.
الأسمدة تختفي.. والمزارعون يتضررون
في واحدة من أكثر المحافظات إنتاجًا للأرز والفاكهة والقطن، تعيش قرى كفر الشيخ أزمة خانقة بسبب نقص الأسمدة المدعمة.
في قرية "الزعفران" بمركز الحامول، يقف عم حسن، مزارع الذرة الشامية، عاجزًا أمام أرضه، يقول: "بدأنا نجهز الأرض على أمل نستلم السماد من الجمعية، لكن طلع لنا 5 شكاير للفدان، واحنا محتاجين 10 على الأقل، ومفيش غير السوق السوداء، والشيكارة بـ700 جنيه وتوصل لـ1200، رغم إن سعرها الرسمي أقل من 400 جنيه."
وتشير بيانات وزارة الزراعة إلى أن سعر شيكارة اليوريا رسميًا يبلغ 364 جنيهًا، والنترات 259 جنيهًا، لكنها أسعار لا وجود لها إلا على الورق، كما يصفها الفلاحون.
تكلفة زراعة الفدان تقفز إلى 9 آلاف جنيه
تضاعفت تكلفة زراعة فدان الأرز أو الذرة، ليصل متوسط الإنفاق على الأسمدة وحدها إلى أكثر من 9000 جنيه، دون احتساب تكاليف الحرث، التقاوي، السولار، والعمالة.
في هذا السياق، يقول يوسف داوود، مزارع من دسوق: "محصول الأرز محتاج تسميد منتظم.
السنة اللي فاتت اتأخرت شيكارتين، المحصول قل بنسبة 30%، وزرعت فدانين طلعوا 3 طن بس بدل 4.5 طن."، ويضيف أن كثيرًا من جيرانه قرروا هذا العام تقليص المساحات المزروعة أو عدم زراعة الأرز تمامًا.
مايو: شهر الزراعة.. لكن بلا استعداد
شهر مايو يُعد البداية الفعلية لموسم الزراعة الصيفي، حيث تُزرع المحاصيل الأساسية: الأرز، الذرة، القطن، والبطيخ، والعنب.
لكن في ظل غياب الأسمدة، يستقبل الفلاحون الموسم بقلق، وخوف من خسارة عامٍ زراعي كامل.
السوق السوداء تتفوق على الجمعيات
مصدر مسؤول بمديرية الزراعة بكفر الشيخ (فضّل عدم ذكر اسمه) كشف أن الأزمة ترجع إلى:
- سحب كميات كبيرة من الأسمدة إلى السوق السوداء قبل وصولها إلى الجمعيات.
- ارتفاع تكلفة النقل بعد زيادة سعر السولار الشهر الماضي.
- نقص الحصص الواردة من الشركات المنتجة.
- تأخر عمليات التوزيع.
وفي بيان حديث لمديرية التموين بكفر الشيخ، تم الإعلان عن ضبط أكثر من 16 طنًا من الأسمدة المدعمة المُخزنة للبيع خارج المنظومة الرسمية في مراكز بلطيم وسيدي سالم، خلال شهر أبريل وحده.
الأسمدة المغشوشة.. خطر آخر يهدد الإنتاج والتربة
المزارعون الذين يضطرون للشراء من السوق الحرة، يواجهون خطرًا آخر: الأسمدة المغشوشة.
ويقول الحاج عبد البديع، مزارع فاكهة من بلطيم:"جبت شيكارة نترات من السوق الحر، لونها باهت، كأنها طباشير. رشيتها على شجر العنب، ورقه اصفر ووقع. ده مش سماد، دي كارثة."
خبراء زراعيون أكدوا أن استخدام الأسمدة المغشوشة يرهق التربة ويُفقدها خصوبتها تدريجيًا، ما يهدد ليس فقط موسم الصيف الحالي، بل المواسم القادمة أيضًا.
المزارعون: الجمعيات بلا رقابة والدعم ضائع
رغم وعود وزارة الزراعة بـ"توفير السماد بشكل عادل"، إلا أن الفلاحين يؤكدون أن الجمعيات الزراعية تعاني من ضعف الرقابة، وأن عملية التوزيع تخضع للمحسوبية لا للعدالة.
ويقول المهندس الزراعي محمود صبري: "ما يحدث ليس أزمة طارئة، بل خلل هيكلي مزمن. لا توجد آلية شفافة للتوزيع، والدعم الحقيقي للفلاح اختفى، وتركوه يواجه السوق وحده."
موسم مهدد وأمن غذائي في خطر
في ظل هذه الأوضاع، يبدو أن الموسم الزراعي الصيفي في مصر يواجه خطرًا حقيقيًا، ليس فقط في حجم الإنتاج، بل في جدوى الاستمرار بالزراعة لدى آلاف الفلاحين.
ومع تصاعد التكاليف، تتضاءل فرص الربح، ما قد يدفع كثيرين للعزوف عن الزراعة، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية متشابكة.