في هذا المقال المنشور في الجارديان، يعرض الكاتب محمد بازي كيف تغيّر موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تجاه قطر خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، إذ استُقبل بحفاوة غير مسبوقة في دول الخليج، وعلى رأسها الدوحة التي كانت في السابق عرضة لهجماته.

هاجم ترمب قطر في 2017، واتهمها بتمويل الإرهاب وبارك حصارًا فرضته السعودية والإمارات عليها، إذ اتُهمت الدوحة بدعم جماعات مثل الإخوان وحماس، وبالتقارب مع إيران. استمر الحصار حتى مطلع 2021 وأدى إلى اضطراب واسع في الخليج.

لكن خلال زيارته الثانية كرئيس، تحوّل ترمب إلى مديح قطر. عرضت العائلة الحاكمة عليه طائرة فاخرة من طراز بوينج 747، بقيمة 400 مليون دولار، يمكن أن يستخدمها كطائرة رئاسية حتى نهاية ولايته، ثم يحتفظ بها كمقر لمكتبته الرئاسية، مما يتيح له استخدامها لاحقًا. حاول البيت الأبيض تبرير ذلك باعتباره هدية للحكومة، لكنه يصب في مصلحة ترمب الشخصية.

استغل ترمب منصبه لتعزيز مصالحه الشخصية، إذ يحتفظ بمشاريع عقارية ومنتجعات بمليارات الدولارات في دول الخليج الثلاث التي زارها. ورغم مخالفة ذلك لبند "المكافآت الأجنبية" في الدستور الأمريكي، لم يتحرك الكونجرس أو القضاء لمحاكمته.

نجحت قطر في كسب ود ترمب من خلال دورها كوسيط دولي. توسطت بين واشنطن وطالبان في عهده الأول، وساهمت في صفقة تبادل سجناء مع إيران خلال عهد بايدن. وبعد هجوم حماس في أكتوبر 2023، تولّت الوساطة بين حماس وإسرائيل، وساهمت في هدنتين، إحداهما استمرت أسبوعًا، والثانية امتدت شهرين.

لكن هذا الدور لم يعفها من الانتقاد. تعرضت قطر لهجوم من مشرعين أمريكيين وإسرائيليين، دعوا لطرد قادة حماس من الدوحة. رفض القطريون الضغوط، وذكّروا بأن إدارة أوباما هي من طلبت منهم فتح قناة تواصل غير مباشرة مع حماس عام 2012.

عقب الكشف عن الطائرة الفاخرة، انتقدت شخصيات في حركة "ماجا" الهدية. غرّدت الناشطة اليمينية لورا لوومر قائلة: "لا يمكن قبول هدية من جهاديين يرتدون بدلات". لكنها بقيت صوتًا شاذًا، إذ التزم معظم الجمهوريين الصمت.

يعكس هذا صعود جناح ترمب داخل الحزب، وإقصاء الأصوات المتشددة التي كانت تطالب بالتعامل بشدة مع إيران وحلفائها. يفضل ترمب التفاوض بدل المواجهة، ويرى في قطر وسيطًا مثاليًا، يحترم صفقات السلام ويعزز مكانته كـ"صانع صفقات".

اختار ترمب مستشارين مقربين لإدارة سياسته في الشرق الأوسط، منهم ستيف ويتكوف، ملياردير عقاري يشغل منصب المبعوث الخاص للرئيس. دافع ويتكوف عن قطر، وأشاد بمساعيها لتحقيق السلام، معتبرًا أنها تسعى للاعتراف بها كدولة مسالمة.

يتبع الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر، نهجًا بدأه والده: تحقيق نفوذ سياسي يوازي الثروة، مع التمسك بالاستقلال عن جيران أكثر نفوذًا، كالسعودية والإمارات. حافظت الدوحة على توازن حساس: توفير الغاز للعالم الغربي، والتواصل مع حركات مثل حماس وحزب الله وطالبان.

وسّعت قطر نفوذها عبر أدوات ناعمة، كقناة الجزيرة، التي انطلقت عام 1996. ورغم دعمها للإسلاميين بعد ثورات 2011، تبنّت في السنوات الأخيرة سياسة أكثر حذرًا، وركّزت على لعب دور الوسيط.

تعزز قطر علاقتها العسكرية مع واشنطن منذ هجمات 11 سبتمبر، حين سمحت باستخدام قاعدة العديد الجوية، التي أصبحت الأكبر في الشرق الأوسط، وتضم نحو 10 آلاف جندي أمريكي. استثمرت قطر 8 مليارات دولار لتحديث القاعدة.

في ختام زيارته للدوحة، خاطب ترمب الجنود الأمريكيين بخطاب انتخابي الطابع، تفاخر فيه باتفاقات اقتصادية بقيمة تجاوزت 243 مليار دولار. أعلن: "لا أعتقد أن صداقتنا كانت أقوى مما هي عليه الآن"، وأكّد أمام رجال الأعمال: "سندافع عنكم".

يختزل ترمب الدبلوماسية في صفقات ومقايضات، ويرى في هدية الطائرة وعرض الوساطة القطري صفقة رابحة، مقابل الحماية الأمريكية.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/may/19/trump-qatar-relationship