في الوقت الذي يواجه فيه الفقراء أزمة حقيقية نتيجة ارتفاع أسعار المقابر وقلة الأراضي المتاحة لبناء مقابر جديدة عليها،نجد الأغنياء يشترون مقابر يبدأ سعر المقبرة الواحدة إلى ما بين 400 ألف و3مليون جنيه حسب المكان؛ ليصبح المواطن البسيط خارج الحسابات في الممات.

ويواجه الفقراء أزمة ارتفاع أسعار المقابر، ووصولها إلى أرقام خيالية تفوق مستوى دخل المواطن البسيط، لتصل أسعار المقابرإلى أرقام غير مسبوقة، بعدما وقع المواطن فريسة في يد تجار وسماسرة الأراضي.
 

أزمة دفن الموتى
  
يواجه المصريون وخاصة الفقراء أزمة حقيقية في دفن موتاهم، ما دفع بعضهم إلى دفن موتاه في طبقات تعلو بعضها بعضًا، ويفصل بين الرفات القديمة والجسد الجديد طبقة خفيفة من التراب، وهناك من قام بتجديد المقابر القديمة، وبناء مقابر متعددة الطبقات، كما قام عدد من المواطنين بالاشتراك في شراء مقبرة جديدة ذات أسعار مرتفعة لدفن موتاهم.
 

مقابر الـ 5 نجوم
  
ويقول أحد حراس المقابر: "إن سعر المقبرة 5 نجوم يتراوح ما بين 1.5 مليون إلى 3مليون جنيه حسب المكان والتشطيب، فهي تفوق أسعار الوحدات السكنية في الأماكن المميزة؛ ليصبح المواطن البسيط خارج الحسابات في الحياة وفي الممات".

وأكد الحارس وجود بلطجية يستولون على أراضي الدولة في بعض المناطق، ويتم بناء مقابر عليها، وتحويلها إلى "بيزنس"، وبيعها إلى المواطنين بأسعار مرتفعة جدًا، في ظل عدم تطبيق القانون بحسم على الخارجين عليه.

وتعتبر أسعار المقابر في المدن الجديدة مرتفعة جدًا، إذ وصل سعر المقبرة الواحدة في مدينة دمياط الجديدة إلى 250 ألف جنيه، وفي مدينة 15 مايو يبدأ ثمنها من 600 ألف جنيه للمقبرة التي تبلغ مساحتها 21 مترًا، و900 ألف جنيه لمساحة 42 مترًا، وفي مدينة 6 أكتوبر طريق الواحات، تبدأ أسعار المدافن مساحة 40 مترًا من 800 ألف جنيه، و1.5 مليون جنيه لمساحة 80 مترًا".
 

بيزنس المقابر
  
لم يعد قطاع العقارات هو المجال الوحيد لشركات المقاولات للاستثمار خلاله، فقد لجأ عدد كبير من شركات العقارات إلى الاستثمار في "بيزنس المقابر"، خصوصًا في المدن الجديدة.

وسارعت شركات العقارات إلى الإعلان عبر الشوارع العامة وعلى الطرق الرئيسة وفي الصحف والمواقع، حتى مواقع التواصل، عن توفير "المقابر" بالتقسيط أو "الكاش"، وأطلقت شركات التشييد والبناء مسميات مختلفة على المقابر، منها مصطلح "الكمباوند"، وسط إغراءات متعددة، على رأسها "تشطيب سوبر لوكس.. قريبة من القاهرة.. على الطريق.. بسعر خيالي.. مقدم وتقسيط طويل الأجل".

وأخيرًا فشلت الحكومة في مختلف المحافظات في توفير أرض جديدة لبناء مقابر عليها بأسعار زهيدة لبيعها إلى المواطن الفقير محدود الدخل، حيث تعاني المحافظات من قلة مساحات الفضاء داخل الكتلة السكنية لبناء المقابر عليها، وهو ما تسبب في حدوث أزمة كبيرة للمواطنين.
 

حراسة أمنية
   وهناك مقابر تصل أسعارها إلى أكثر من 2 مليون جنيه، وهي أشبه بالفنادق تحيطها أحواض الزهور والرخام وأبوابها ضخمة، وتقسم إلى 4 طبقات علوية، الطبقة الأرضية منها مخصصة لكبار العائلة «الجد الأول والثاني»، ودائمًا ما تكون الطبقة الرابعة والثالثة لـ"شباب العائلة"، وتتراوح مساحتها ما بين 150 إلى 300 متر.
 

أسباب الارتفاع
  
ويوضح أحد المستثمرين في القطاع العقاري أن ارتفاع أسعار مواد البناء والمنتجات البترولية كانت سببًا مباشرًا وراء ارتفاع أسعار المدافن في مصر، لافتًا إلى أن الشركات العاملة في تشييد المقابر تقوم بتوفير خدمات الحراسة والأمن على المقابر على مدار 24 ساعة؛ لضمان عدم سرقتها أو الدفن فيها من قِبل غير ملاكها، وذلك بعد تعرّض عدد كبير من المقابر في المدن الجديدة لسرقة محتوياتها الداخلية من الرخام والأبواب الفاخرة في داخلها.

في السياق عيرى مسؤول تسويق آخر في إحدى شركات التشييد والبناء، أن أسعار المدافن شهدت تغييرات كبيرة في الآونة الأخيرة، بسبب رغبة البعض في شراء مدافن في أرض رملية، مما أدى إلى زيادة أسعار المدافن الجديدة، وفي المقابل لم تطرح المحافظات مقابر جديدة أمام المواطنين محدودي الدخل، كما كان يحدث عبر السنوات الماضية.
 

غياب المسؤولية الحكومية
   وفي حين أن الأسعار في المقابر الجديدة تبدأ من 250 ألف، حسب مساحتها وتجهيزها، والسبب في ذلك رغبة الأغنياء في شراء مدافن فارهة، طالب مجلس النواب بضرورة التدخل وإلزام المحافظات وهيئة المجتمعات العمرانية في وزارة الإسكان بتوفير أراض في المحفظات لبناء مدافن بأسعار مخفضة من أجل الأسر المحدودي الدخل، كما يجب على مجلس الوزراء إصدار قرارات بتخصيص جزء من أراضي الوقف الخيري لمواجهة أزمة عجز توفير المقابر في مصر، وعدم التهرب من المسؤولية.

من جانبه، أكد الدكتور محمد عبد الفتاح، أستاذ التخطيط العمراني في هندسة الأزهر، أن الحكومة متمثلة في المحافظين ووزارة الإسكان خارج المعادلة رغم أنها مسؤولة عن توفير الأراضي اللازمة لبناء مقابر جديدة للمواطن، وبأسعار مخفضة

وبالتقسيط المريح، مشيرًا إلى أن أزمة نقص توفير المقابر في تزايد مستمر خلال الفترة الماضية، واستمرار تخلي الحكومة عن حماية محدودي الدخل سوف يزيد من استغلال شركات التعمير الخاصة ورفع المزيد من أسعار المدافن.

وأضاف إن وزارة الإسكان يجب أن تهتم بتوفير المقابر على غرار توفير الوحدات السكنية، وأن تكون المقابر متاحة للموظفين والنقابات والهيئات الحكومية والخاصة، مما يترتب عليه القضاء على السوق السوداء في بناء المقابر وبيعها.