في ليلة 24 مارس، أضاء توهج برتقالي سماء العاصمة جوبا، بعد أن شنّ جيش جنوب السودان غارة جوية على قاعدة للمعارضة في ووناليت، على بعد 15 كيلومترًا فقط من المدينة.
هذه الضربة جاءت بعد أسابيع من الاشتباكات المتفرقة بين قوات الرئيس سلفا كير والمعارضة، لكنها المرة الأولى التي يقترب فيها القتال من العاصمة.
وفي اليوم نفسه، حذّر نيكولاس هايسوم، رئيس بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (يونميس)، من اقتراب البلاد من العودة إلى الحرب الأهلية.

تصاعدت التوترات بشكل خاص في ولاية أعالي النيل. ففي 4 مارس، سيطرت ميليشيا "الجيش الأبيض"، المرتبطة بشكل غير مباشر بنائب الرئيس وزعيم المعارضة رياك مشار، على قاعدة حكومية في مدينة ناصر قرب الحدود الإثيوبية.
قُتل قائد القاعدة، الجنرال ديفيد ماجور داك، بعد ثلاثة أيام أثناء محاولة إجلاء نفذتها الأمم المتحدة، وسقط معه عامل تابع لها وعدد من الجنود.

ردّت الحكومة باعتقال عشرات من قادة المعارضة في جوبا، بينهم وزير النفط، بوت كانج شول، متهمةً إياهم بتحريض الهجوم في ناصر.
وأطلقت أيضاً حملة قصف جوي على أعالي النيل باستخدام ذخائر حارقة بدائية، أودت بحياة العشرات، بينهم أطفال، وفق ما أفادت به هيومن رايتس ووتش.

دعت الحكومة القوات المسلحة الأوغندية إلى التدخل، بموجب اتفاق تعاون عسكري قديم، غير أن رياك مشار اعتبر ذلك انتهاكاً لحظر الأسلحة المفروض منذ 2018، ولمعاهدة السلام التي أنهت خمس سنوات من الحرب.
وفي 23 مارس، حذّر في رسالة إلى الأمم المتحدة من انهيار الاتفاق إذا استمر التدخل الأوغندي.
وبعد ثلاثة أيام، فرضت السلطات عليه إقامة جبرية. طالبت منظمة العفو الدولية، بدورها، مجلس الأمن الدولي بتجديد الحظر قبل انتهاء صلاحيته في نهاية مايو.

ورغم تأكيد الحكومة التزامها بالسلام، تجاهلت الدعوات إلى وقف العنف وإطلاق سراح مشار، وواصلت قصف مواقع المعارضة في عدة مناطق.
في 3 مايو، قصف الجيش مستشفى تابعًا لمنظمة أطباء بلا حدود في بلدة فانجاك القديمة، ما أسفر عن مقتل سبعة مدنيين وإصابة آخرين. المنظمة وصفت الهجوم بأنه قصف متعمّد.

تقدّمت العملية السياسية ببطء منذ اتفاق 2018. وتحت ضغط المجتمع الدولي، وافق كير على تقاسم السلطة مع مشار، وشُكّلت حكومة وحدة وطنية في 2020.
لكن الانتخابات، المقررة مبدئياً في ديسمبر 2022، تأجلت مرتين، وأُعيد تحديد موعدها إلى ديسمبر 2026.

هذا التدهور أحبط كثيرين ممن يعلّقون آمالهم على السلام لبناء مستقبلهم.
جون (اسم مستعار)، في الخامسة والخمسين، عاش 11 عاماً في مخيم للنازحين قرب قاعدة يونميس، وفرّ إليه في 2013 مع آلاف النوير هرباً من الحرب.
لكن في أكتوبر الماضي، غادر بسبب غياب المساعدات الغذائية والخدمات، وانتقل إلى كوخ طيني في خُر رملا. هناك، عمل في الزراعة وتعدين الذهب لكسب لقمة العيش.

بعد قصف ووناليت، شنّ الجيش هجمات على معسكرات تدريب تابعة للمعارضة، ثم اقتحم خُر رملا حيث يقيم النوير، وبدأ بإطلاق النار عليهم.
هرب جون حافي القدمين في الظلام، ولا تزال جراحه لم تلتئم حتى الآن، بينما قُتل أحد زملائه.
عاد إلى مخيم يونميس في 28 مارس، لينضم إلى نحو 4 آلاف نازح جديد. لكنه لا يشعر بالأمان.
سقط خمسة قتلى قرب المخيم منذ أزمة ناصر، وتجنّب ذووهم تقديم شكاوى خوفاً من الانتقام.

ذكر جون أسماء آخرين اختفوا، بينهم امرأة خرجت لجمع الحطب ورجل ذهب لصناعة الفحم. قال: "نعيش في خوف، لا نستطيع الخروج لكسب الرزق، ولا نعرف ما ينتظرنا. نحتاج إلى حماية حقيقية من قوات حفظ السلام حتى تنفيذ جميع بنود اتفاق السلام".

من جانبها، أكدت المتحدثة باسم يونميس، بريانكا شودري، أن البعثة عززت دورياتها وتواصلها مع المجتمعات في مواقع النزوح، لكنها شددت على أن الحكومة تتحمّل المسؤولية الأولى في حماية المدنيين.

في 7 مارس، أعلن كير مقتل الجنرال داك، ودعا المواطنين إلى عدم أخذ القانون بأيديهم، وأعاد تأكيد رفضه العودة للحرب. لكنه ألقى باللوم على تسييس حركة القوات في ناصر.
تساءل كثيرون: لماذا لم تنشر الحكومة "القوات الموحدة الضرورية" التي ينص عليها الاتفاق؟ وجاء الجواب الحكومي بأن الحظر على الأسلحة حال دون تجهيزهم.

في ظل هذا الجمود، عبّرت جاكلين ناسيوا، المديرة التنفيذية لمركز الحوكمة الشاملة والسلام والعدالة، عن قلقها خلال إحاطة أمام مجلس الأمن في 16 أبريل.
قالت إن الشعب "لا يمكنه أن يشفى في بيئة يسودها العنف واللايقين السياسي".
رغم كل العيوب، ما زالت ترى في اتفاق 2018 "الخيار الوحيد المتاح للعبور نحو الديمقراطية"، مشددة على الحاجة العاجلة لحماية المدنيين وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.

في 8 أبريل، انتظر طلاب بدء الدراسة في مدرسة ثانوية جديدة قرب مخيم جوروم للاجئين.
ماويتشنيون جاتدونج، 19 عاماً، جاء من مدينة بانتيو، ويجلس اليوم في صف مكتظ بطلاب من القرى المجاورة ولاجئين سودانيين. قال: "سمعنا إطلاق النار، وتوقفنا عن الذهاب للمدرسة أياماً. أنا قلق جداً، لا نعرف إن كانت الحرب ستنتهي أم لا. الوضع قد يدفع البعض للالتحاق بالقوات المسلحة بالقوة. أنصح الشباب بالصبر، وعدم التنقل إلا للذهاب إلى المدرسة". حلمه أن يصبح طبيباً: "هو الشيء الوحيد الذي أناضل من أجله".

https://www.theguardian.com/global-development/2025/may/16/violence-south-sudan-politicians-arrested-bombings