أثار غياب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي عن القمة الخليجية التي عقدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض تساؤلات حول أسباب هذا الغياب، خاصةً وأن السيسي سبق أن شارك في 8 لقاءات مماثلة مع ترامب.
وفسر البعض هذا الغياب بأنه مؤشر على تراجع مكانة مصر في المنطقة، بينما اعتبر آخرون أن الأمر قد يكون نتيجة لخلافات سياسية أو استراتيجية بين القاهرة وواشنطن.
8 لقاءات سابقة وغياب مثير
عدم توجيه الدعوة للسيسي للمشاركة بقمة ترامب الخليجية، التساؤلات، على الرغم من أنه شارك فيها سابقا، بمثل هذا الشهر من عام 2017، حين حضر ترامب لأول مرة كرئيس أمريكي للسعودية، وذلك إلى جانب مشاركة السيسي وقادة الأردن والعراق بالقمة (الخليجية- الأمريكية) الرابعة في يوليو 2022.
وفي غياب السيسي، عن قمة الأربعاء، أطرى ترامب بشدة على قادة الخليج العربي قائلاً: "أنتم محل إعجاب العالم"، مذكرا بإطرائه السابق على السيسي بقمة الرياض (الأمريكية- الخليجية) 2017، وقوله له: "يعجبني حذاؤك"، ومناداته له بقمة (السبعة الكبار) بفرنسا، خلال سبتمبر 2019: "أين يكتاتوري المفضل؟".
والتقى السيسي، ترامب لأول في 20 سبتمبر 2016، في نيويورك، كمرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب "الجمهوري"، ليستقبله بالبيت الأبيض بعد 3 شهور من دخوله، وتحديدا في إبريل 2017، لتجمعهما القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالسعودية، بالشهر التالي من نفس العام.
وزار السيسي، واشنطن، تلبية لدعوة ترامب في إبريل 2019، والتقيا بفرنسا خلال قمة "السبعة الكبار"، أغسطس 2019، لتجمعهما 3 لقاءات على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر أعوام 2017، و2018، و2019.
ومع ولاية ترامب الثانية، كان من المقرر أن يلتقيه السيسي، بالبيت الأبيض، في 16 فبراير الماضي، في زيارة لم تتم، وسبقها إعلان "خطة ترامب" بتهجير فلسطيني قطاع غزة، وسيطرة واشنطن عليه وتطويره عقاريا، والتهديد بقطع المساعدات عن مصر والأردن حال رفض مطالبه.
ووسط ضغوط ترامب، قدّمت القاهرة خطة لإعمار غزة، دون تهجير الفلسطينيين إلى قمة عربية مصغرة، بالسعودية، في 21 فبراير الماضي، وهي التي لم تلق قبولا أمريكيا وإسرائيليا، ولا دعما من حليفتيها الإمارات والسعودية، ليجري تجاهل السيسي، من الظهور إلى جانب ترامب في توقيت يجري فيه الحديث عن تشكيل جديد لأوضاع إقليم الشرق الأوسط.
وإلى جانب ملف تهجير الغزيين لسيناء، والذي طرحه ترامب بعد 5 أيام من عودته للبيت الأبيض، في ولايته الثانية، خلال يناير الماضي، يأتي ملف أطماع ترامب بقناة السويس المصرية، وطلبه المرور المجاني لسفن بلاده التجارية والعسكرية، منها، ما قابلته القاهرة بالصمت.
ليست صدفة بروتوكولية
في قراءته لغياب السيسي عن القمة الخليجية مع ترامب بالرياض، في ظل ما يجري من أحداث بالإقليم، قال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، ممدوح المنير، إنه: "ليس مجرد صدفة بروتوكولية أو اعتبارات جدول أعمال مزدحم، بل هو دلالة سياسية صارخة على تراجع دور مصر الكبيرة مكانا ومكانة، والتي تقزمت كثيرا بعهد السيسي، حتى أصبحت تابعا له شركاء متشاكسون".
وأضاف المنير: "تغيّر موقع النظام المصري بالمعادلة الإقليمية والدولية منذ 2013، ففي 2017، كان السيسي ضيفا مبجلا على قمة ترامب بالرياض، يقدم كـ(رجل واشنطن القوي) بالمنطقة، وكسند استراتيجي لها بمحاربة ما يسمى (الإرهاب) وتطويع الإسلام السياسي".، وفقًا لـ"عربي21".
وتابع: "لكن في 2025، تغيّر كل شيء؛ وفشل السيسي داخليا بتحقيق استقرار حقيقي، وتحوّلت وعوده الاقتصادية لكوارث مالية دفعت البلاد نحو الإفلاس، بينما باتت سياسته الخارجية قائمة على التبعية وغياب الأمن القومي والتردد والمزايدة بملفات إقليمية شديدة الحساسية".
وبالتالي، يرى المنير، أنّ: "تجاهل دعوته للرياض في هذا السياق يعكس أحد الأمرين، وربما كليهما: إما أن واشنطن لم تعد ترى فيه ورقة ذات قيمة استراتيجية فلا يوجد ما يقدمه لها، وفي ذات الوقت لا يستطيع أن يخرج عن طوعها".
"أو أنها تسعى لمعاقبته وتهميشه بعد أن خرج جزئيا عن المسار الذي رُسم له بملفات غزة، وإلغاء رسوم العبور من قناة السويس، وتيران وصنافير، وخصوصا تقاربه الواضح مع بكين وموسكو" بحسب المنير في حديثه لـ"عربي21".
ليس قطيعة بل إعادة تقييم
في إجابته على السؤال: "هل استغنى ترامب عن السيسي، وهل هذا الوضع بداية لنهاية حكم السيسي، واقتراب أوان التغيير في مصر من الباب الأمريكي؟، لا يعتقد المنير أن: "الإدارة الأمريكية استغنت عنه في الوقت الحاضر".
وقال إنّ: "السيسي يقوم بجميع الأدوار التي تريدها واشنطن بالمنطقة؛ لكنه بكل تأكيد أصبح ورقة محترقة، فالإدارة الأمريكية، أو على الأقل مراكز التأثير المحيطة بها، لم تعد ترى فيه خيارا موثوقا لمستقبل مصر، والاستغناء هنا ليس بالضرورة القطيعة، لكنه أقرب إلى إعادة تقييم للدور والجدوى السياسية من استمرار دعمه".
وأكد أنّ: "أمريكا تاريخيا، لا تُسقط الأنظمة التي تخدم مصالحها إلا إذا باتت عبئا أو غير قابلة للاستمرار؛ والسيسي الآن بات عبئا سياسيا واقتصاديا، داخليا وخارجيا. الانفجارات الاجتماعية، رفضه تمرير مخطط التهجير لحسابات شخصية تتعلق ببقائه في السلطة وليس حبا لغزة، كلها أدلة على فشل الإدارة المصرية الحالية بإدارة الملفات الحساسة حتى بما يخدم الأجندة الأمريكية نفسها" بحسب تعبيره.
ويرى أنه: "من هنا، قد لا يكون غياب السيسي عن القمة مجرّد تجاهل دبلوماسي، بل رسالة ضمنية مفادها: الباب مفتوح إذا فعلت ما هو مطلوب منك أو التجاهل والإزدراء، وإذا لم تنصاع دون قيد أو شرط، مأساة السيسي أن كل الطرق تؤدي إلى عدم استقرار حكمه".
عامل سياسي وآخر اقتصادي
في تقديره، قال الباحث في التربية السياسية، يحيى سعد: "هناك عدة عوامل لتجاهل مشاركة مصر والأردن وعدم حضورهما اجتماع ترامب ببعض القادة العرب في السعودية كما كان في 2017".
وأكد سعد، أنّ "العامل الأول: اقتصادي"، موضحا أن "الهدف الأساسي -الذي جعل ترامب يولي وجهه شطر الدول الثلاث ويقدمها على بريطانيا التي اعتاد رؤساء أمريكا إعطائها أولوية بزياراتهم الخارجية- اقتصادي بحت".
وأضاف: "إن شئنا فلنقل هدف ابتزازي لجمع المال وعقد الصفقات، لدعم اقتصاد بلاده وتسويق نفسه داخليا أمام المواطن الأمريكي، ومثل ذلك العامل لا يتوفر لدى مصر والأردن، فليس لدى الدولتين ما ينافسان به بهذا المضمار".
ويرى أنّ: "العامل الثاني: سياسي، ويأتي بالمرتبة الثانية من حيث اهتمام ترامب، فمصر ذات التاريخ والثقل الإقليمي لم يعد لها نفس الدور المؤثر كما كان سابقا، بعد أن تقزم دورها وتأثيرها السياسي بعهد السيسي، الذي يتملق قادة الخليج لأجل (الرز)، فضلا عن بيع الأصول المصرية لدولة الإمارات".
وأضاف سعد، أنّ: "الحدث الساخن بالمنطقة الذي تمثله حرب الإبادة والتجويع على أهل غزة ليست بمقدمة أولويات ترامب وهو يزور المنطقة، إذ لو كانت كذلك فلربما دعا السيسي وحاكم الأردن لاستكمال لدور الهامشي المطلوب منهما بالملف".
الصين وروسيا أم تيران وغزة؟
في قرءاته، لاحتمال أن يكون تجاهل ترامب، للسيسي، جاء ردا على تقاربه الأخير مع روسيا والصين، قال المنير، إنّ: "التقارب المصري مع موسكو وبكين، عامل مهم لا يمكن تجاهله، وواشنطن تنظر بعين الريبة لأي نظام يحاول المناورة شرقا في ظل اشتداد الحرب الباردة الجديدة".
ولفت إلى أنّ: "السيسي فتح قنوات عسكرية واقتصادية مع بكين وموسكو، ويحاول أن يناور لتسليح صيني روسي يتجاوز قيود التسليح الأمريكي، وسمح لشركات صينية بالتمدد بالبنية التحتية المصرية، بما في ذلك مشروعات الاتصالات، وهذه التحركات تمثل تهديدا مباشرا للمصالح الأمريكية، خاصة بمنطقة تمثل قلب النفوذ العسكري والتجاري الأمريكي".
وبخصوص ما يثار عن "رفض السيسي، إقامة قواعد أمريكية أو التورط العلني في تهجير سكان غزة، وهو ما يُقال إن واشنطن وبعض الأطراف الإقليمية كانوا يسعون إليه، فربما كان ذلك القشة التي قصمت ظهر البعير. فحين يخرج النظام المصري عن الدور (الوظيفي) المرسوم له، ولا يعود ينفذ التعليمات دون نقاش، يصبح موضع شك، إن لم نقل موضع استهداف".
وخلص المنير، للقول إنّ: "النظام المصري اليوم يواجه ما يشبه (حالة برود) أمريكية، وهذا لا يعني إسقاطا وشيكا، لكنه يمهّد لمسار جديد قد يتضمن تحريك بدائل، إضعاف مركزيته، أو على الأقل إعادة تطويعه بشروط أكثر قسوة".
حصاد 12 عاما
قال مراقبون إنّ: "مصر تحصد نتيجة سوء الإدارة السياسية والاقتصادية والأمنية وعدم ترتيب أولوياتها 12 عاما"، مشيرين إلى أنها: "سياسات أفقدتها أدوارها التاريخية بالإقليم، وقلّلت من أهميتها لدى الغرب والخليج ودول الجوار".
وألمحوا إلى أنّ: "توجهات النظام الحالي للحصول على المال دفعت بمكانة مصر للحضيض وبدرجة: متسول"، وفق قولهم، مردفين أنّ: "زيارة السيسي في 13 و14 إبريل الماضي لقطر والكويت جاءت لطلب الدعم والمساعدات، وأن الكويت لم تقدم وعودا بتمويل جديد، بل طلبت تحويل ودائعها بالبنك المركزي المصري لاستثمارات مثل الإمارات والسعودية".
وتحدثوا عن وضع مصر الإقليمي الصعب، والذي يواجه العديد من الأزمات، مع السعودية، حول جزيرتي "تيران وصنافير"، والذي أثير حولهما لغطا مؤخرا، وتواترت أنباء عن رغبة سعودية بمنح قواعد عسكرية فيهما للولايات المتحدة.
كما لفتوا إلى: "تأزّم محتمل مع الإمارات، خاصة مع تطورات أوضاع الحرب في السودان التي تدعم فيها مصر الجيش السوداني، وتدعم فيها الإمارات قوات الدعم السريع، التي حققت انتصارات أخيرة في مدينة بورتسودان بدعم عسكري من أبوظبي".
وقالوا إنّ: "تفجر الأوضاع في ليبيا يزيد من ضغوط النظام المصري، خاصة مع ما يثار عن خلاف مصري مع اللواء خليفة حفتر، الحليف السابق للقاهرة، والحليف القوي لأبوظبي، ووسط ما يجري في طرابلس العاصمة من اشتباكات مسلحة، تهدد الجارة الغربية لمصر".
وألمحوا إلى: تغيب القاهرة عن مفاوضات عقدها ترامب بمشاركة غير مباشرة من حركة "حماس"، لوقف حرب، وذلك بعد مفاوضات أسفرت عن إطلاق المقاومة سراح الأسير الأمريكي، عيدان ألكسندر، دون دور مصري، وذلك قبل حضور وفد إسرائيلي للدوحة للتفاوض بعد اتصال بين ترامب وبنيامين نتنياهو.