أجّل الاحتلال الإسرائيلي ضخ كميات إضافية من الغاز الطبيعي إلى مصر كانت متفقاً عليها مع وزارة البترول، لتبدأ بدلاً من ذلك في يونيو المقبل، ما خلق حالة من الارتباك داخل الهيئة العامة للبترول، التي تواجه بالفعل ضغوطاً متزايدة لتأمين احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي مع اقتراب موسم الصيف وذروة الطلب على الكهرباء.

وبحسب مصدر رفيع في الهيئة، فإن الشركة الإسرائيلية الموردة تمارس ضغوطاً لرفع سعر التوريد، مستغلة الظروف المناخية واحتياج مصر المتزايد للطاقة. وتستهدف الشركة رفع السعر إلى أكثر من 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو ما يتجاوز السعر المحلي للمصانع بنحو 1.3 دولار، ويتعارض مع الاتجاه العالمي المتراجع لأسعار الطاقة.

 

شبكات جديدة.. وضخ مؤجل
المصدر أوضح أن إسرائيل أنهت منذ أسابيع مد خط أنابيب بحري بطول 46 كيلومتراً يربط بين ميناءي أشدود وعسقلان، متصلاً بخط غاز شرق المتوسط (EMG) والشبكة الوطنية للغاز في مدينة العريش، بهدف ضخ كميات إضافية من الغاز تصل إلى 1.2 مليار قدم مكعبة يومياً، ارتفاعاً من مليار قدم سابقاً. لكن رغم انتهاء البنية التحتية، تم تأجيل بدء الضخ بسبب ما وصفته إسرائيل بـ"استكمال التجارب الفنية".

وزارة البترول، من جانبها، تضغط للإسراع في تشغيل الخط الجديد، بينما تتسارع الاستعدادات لتوفير بدائل من السوق الدولية، في ظل تصاعد الطلب المحلي خاصة على الكهرباء.

 

مخاوف من تكرار سيناريو 2023
التباطؤ الإسرائيلي أعاد إلى الأذهان مشهد أكتوبر 2023، حين عطّلت تل أبيب ضخ الغاز من حقل "تمار" البحري عقب العدوان على غزة، ما خفّض الإمدادات إلى مصر من 1.1 مليار إلى 850 مليون قدم مكعبة يومياً.

وهاجس التوقف المفاجئ مجدداً يشغل حسابات وزارة البترول، لا سيما بعد أن أصبحت واردات الغاز من إسرائيل مكوناً أساسياً في استراتيجية مصر للطاقة، خصوصاً في ظل تراجع إنتاج حقل "ظُهر" المحلي.

 

عجز متزايد في الإنتاج المحلي
العجز لا يقتصر على الجانب الإسرائيلي. فشركة "إيني" الإيطالية، العاملة في أبرز الحقول المصرية، تأخرت هي الأخرى في توفير 250 مليون قدم مكعبة يومياً من الحقول المطورة حديثاً التابعة لحقل ظُهر، والتي كان من المفترض أن تبدأ الإنتاج في إبريل الماضي، قبل تأجيلها إلى نهاية أغسطس، ما عمّق فجوة العجز.

 

مصر تبحث عن الغاز في الأسواق العالمية
في مواجهة هذا المشهد المعقّد، سعت وزارة البترول إلى تسريع توريد 14 شحنة غاز مسال خلال مايو الجاري من موردين أوروبيين وأميركيين، عبر اتفاقيات بنظام الدفع الآجل، مستغلة انخفاض الأسعار عالمياً وتراجع الطلب في آسيا وأوروبا. ويجري التفاوض كذلك على شراء 155 إلى 160 شحنة غاز مسال خلال 2025، بتمويل يُقدّر بنحو 7 مليارات دولار.

 

هل تنجح الضغوط الإسرائيلية؟
إسرائيل، بحسب المصدر، تربط سعر التوريد لمصر بسعر الغاز المحلي في شبكتها الداخلية، وترفض البيع بأقل من ذلك. وهي خطوة يعتبرها كثيرون محاولة لاستغلال حاجة مصر المتزايدة، وابتزازها مالياً لرفع الأسعار، خاصة أن تكلفة الغاز عالمياً تشهد انخفاضاً ملحوظاً.

لكن محمد سعد الدين، نائب رئيس غرفة البترول، يرى أن انخفاض الأسعار العالمية يمنح مصر فرصة للمناورة. وقال إن الأسواق الأوروبية باتت مشبعة، والمخازن الاستراتيجية ممتلئة، ما يجعل المنافسة على الغاز من شرق المتوسط منخفضة. وأكد أن أي تعديل في أسعار التوريد يجب أن يستند إلى نصوص قانونية في العقود، مشيراً إلى أن قوة الجنيه مقابل الدولار ستكون العامل الحاسم في قدرة الحكومة على تمويل استيراد الغاز دون تحميل الموازنة أعباء إضافية.

 

أسعار عالمية منخفضة.. لكن التحدي في التمويل
وفق تقرير صادر عن البنك الدولي مطلع الأسبوع، من المتوقع أن تنخفض أسعار الطاقة – بما يشمل الغاز والنفط والفحم – بنسبة 17% خلال عام 2025، على أن تنخفض مجدداً بنسبة 6% في 2026، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات.

وتستقر أسعار الغاز الفوري حالياً بين 11.30 و13.20 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مع توقعات بمزيد من الانخفاض بسبب ضعف الطلب وارتفاع الإنتاج الأميركي.

لكن التحدي، بحسب سعد الدين، لا يكمن في الأسعار، بل في قدرة الحكومة على تدبير العملة الصعبة. ففي حال استمرار ضعف الجنيه مقابل الدولار، قد تضطر الدولة إلى رفع أسعار الطاقة محلياً لتعويض فرق السعر والدعم، رغم انخفاض الأسعار في السوق العالمية.

 

اتفاقية طويلة الأجل في الخلفية
الاتفاقية الأصلية التي تربط مصر بإسرائيل وُقّعت عام 2018 بين شركة "دولفينوس" المصرية وشركتي "ديليك" و"نوبل إنيرجي"، وتنص على تصدير 64 مليار متر مكعب من الغاز لمدة 10 سنوات بقيمة 15 مليار دولار، ثم عُدّلت عام 2019 لتصل إلى 85.3 مليار متر مكعب سنوياً مقابل 19.5 مليار دولار.