وسط اتساع رقعة النزاعات المسلحة وغياب التمويل الدولي، بات شبح المجاعة يخيّم على حياة عشرات الملايين في القارة الأفريقية، في مشهد معقّد تتقاطع فيه الأزمات المحلية مع صراع القوى الكبرى على النفوذ والموارد.
في تحذير شديد اللهجة، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 36 مليون شخص مهددون بالجوع الحاد في أفريقيا، وهو رقم مرشّح للارتفاع إلى 52 مليوناً خلال عام 2025، من بينهم ملايين يعيشون فعلياً في ظروف إنسانية توصف بأنها "طارئة"، وآلاف يواجهون خطر المجاعة الكارثية، خاصة في دول مثل مالي.
التحذير يأتي في وقت تتعاظم فيه الأزمات الإنسانية بالقارة، مدفوعة بمزيج من الصراعات الدامية، النزوح الجماعي، تدهور الاقتصاديات المحلية، التغيرات المناخية، وارتفاع أسعار الغذاء، في ظل فجوة ضخمة في التمويل الإنساني. ويؤكد البرنامج حاجته العاجلة إلى 710 ملايين دولار لتفادي توقف إمدادات المساعدات خلال الأشهر الستة المقبلة.
"نحن عند نقطة تحول، وملايين الأشخاص يهددهم الجوع"، تقول مارجو فان دير فيلدن، المديرة الإقليمية للبرنامج في غرب ووسط أفريقيا، مشددة على أن "العواقب ستكون وخيمة".
نزاعات تتوسع.. ومعها رقعة الجوع
لا يبدو أن هذا التحذير منفصل عن الواقع المتفجّر في القارة؛ إذ إن بؤر الصراع والنزاعات المسلحة تتوزع على مناطق عديدة، أبرزها: السودان، إثيوبيا، مالي، بوركينافاسو، الصومال، الكونغو الديمقراطية، والنيجر، وجميعها تشهد مواجهات عنيفة أجبرت ملايين السكان على النزوح الجماعي داخل البلاد وخارجها.
في منطقة الساحل، تنهار الاتفاقات الهشة وتتفجر الجبهات، كما هو الحال في شمال مالي، حيث عاد الصراع المسلح بين الحكومة المركزية وحركات الطوارق المطالبة بانفصال إقليم أزواد، بالتزامن مع أزمة دبلوماسية متفاقمة بين الجزائر ودول الساحل، تسببت في توقف الإمدادات الغذائية والتجارية لشمال مالي، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.
ومن جهة أخرى، تحولت منطقة القرن الأفريقي إلى مسرح لصراعات مركبة، تجمع بين الصراعات العرقية والدينية والأزمات السياسية. ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، فإن عدد النازحين في هذه المنطقة بلغ 20.75 مليون شخص حتى نهاية عام 2024، في حين تشير منظمة الأغذية والزراعة إلى أن نحو 67.4 مليون شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي، بسبب النزاعات والجفاف والفيضانات وتدهور الزراعة.
الكونغو الديمقراطية.. نموذج للفوضى المسلحة
منطقة شرق الكونغو الديمقراطية تمثل مثالًا صارخًا لحالة الانفلات الأمني؛ حيث تستمر المواجهات العنيفة بين الجيش الحكومي وحركة "إم 23" المدعومة من رواندا. ومنذ يناير 2025، قُتل أكثر من 7 آلاف شخص، وفرّ أكثر من 100 ألف من ديارهم، في موجات نزوح متتابعة تضع مزيداً من الضغط على موارد البلاد الشحيحة، وتعزز هشاشة الوضع الإنساني.
تنافس القوى الكبرى.. وقود الصراعات
رغم ثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، تعيش أفريقيا واحدة من أسوأ فتراتها الإنسانية، في ظل صراع محتدم بين فرنسا وروسيا والصين والولايات المتحدة على النفوذ والسيطرة على الموارد الحيوية. ويقول مراقبون إن هذا التنافس يغذّي بشكل مباشر النزاعات الأهلية، عبر تمويل وتسليح جماعات مسلحة، وخلق بيئات مضطربة يصعب معها تحقيق الاستقرار والتنمية.
ولا تُستثنى من هذا التنافس دول مثل النيجر وبوركينافاسو ومالي، التي شهدت انقلابات عسكرية متتالية خلال السنوات الأخيرة، وما تلاها من عقوبات اقتصادية فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، زادت من حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
التمويل يتراجع.. والخطر يقترب
رغم خطورة الوضع، يواجه برنامج الأغذية العالمي ومثيلاته من المنظمات الدولية عجزاً كبيراً في التمويل، ما يُنذر بانهيار شبكة المساعدات الإنسانية في عدد من المناطق الأكثر احتياجاً.
ومع استمرار غياب الاستجابة الدولية العاجلة، فإن ملايين الأشخاص قد يُحرمون من الغذاء خلال الشهور القادمة. ويؤكد خبراء أن استمرار هذا الوضع قد يفتح الباب أمام أزمات هجرة جماعية وكوارث إنسانية واسعة النطاق، يصعب احتواؤها مستقبلاً.