في مقال نشره موقع ميدل إيست آي، يرى الكاتب أميئيل ألكالاي أن المصطلحات المستخدمة لوصف ما يحدث في فلسطين، وغزة تحديدًا، لم تعد كافية. كلمات مثل "استعمار استيطاني"، و"فصل عنصري"، و"تطهير عرقي"، و"إبادة جماعية" تفشل في التعبير عن حجم الوحشية غير المسبوقة التي تمارسها إسرائيل، بوصفها رأس الحربة للإمبريالية الأمريكية، ضد الفلسطينيين بشكل يومي وبلا محاسبة.

ما دام الخطاب يعجز عن وصف الواقع، تزداد صعوبة بناء حركة تغيير فعالة، خاصة داخل الولايات المتحدة، حيث تسيطر دعاية مفرطة على الإعلام، ويشل الجمود الثنائي النظام السياسي. الباحث الفلسطيني عبدالجواد عمر وصف هذا الوضع قائلًا إن إسرائيل لم تعد تأمل أن ينسى العالم جرائمها، ولا تسعى لتقديم نفسها كديمقراطية وحيدة تواجه "برابرة" من العرب والمسلمين، بل باتت تطمح لأن يلتحق بها العالم في تبني وحشيتها.

هذه الوحشية لا تُحصر في فلسطين وحدها. إسرائيل تُصدر خبراتها الأمنية إلى العالم، من تدريب قوات الشرطة الأمريكية، إلى التعاون مع الهند في كشمير. هذا "النموذج الإسرائيلي" في الأمن والسيطرة أصبح أداة لحكومات عديدة ضد شعوبها، في ما يشبه الحرب العالمية على المقاومة.

الباحث فادي قران وصف السجون الإسرائيلية والفلسطينية بأنها أدوات سيطرة اجتماعية فريدة، ترتكز على بث القلق الوجودي، وتعليم العجز، وترسيخ ثقافة الخيانة. وفي الولايات المتحدة، يتعمق الإحساس بالخيانة، إذ تدعم الدولة كيانًا عنصريًا صغيرًا يفوق عدد سكانه ولاية نيوجيرسي، بينما تُمزق القوانين الفيدرالية من أجل خدمته.

في 1971، عبّر جنود أمريكيون سابقون في حرب فيتنام عن رفضهم العلني عبر رمي ميدالياتهم أمام الكونجرس. رغم رمزية هذا الحدث، يجهله كثيرون اليوم، فقد طُمست ذاكرته بفعل التلاعب الإعلامي. الثقافة الإسرائيلية في تبرير الإبادة الجماعية تنتشر عالميًا، ما يستوجب بناء بديل أخلاقي وإنساني.

عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي الإسرائيلي جيف هالبر شرح في كتابه "حرب على الشعب" كيف اندمجت أدوات القمع الأمني – من الجيش إلى الاستخبارات – في منظومة عالمية تُطبّق وفق النموذج الإسرائيلي. بعد أحداث 11 سبتمبر، اشتدت هذه السيطرة عبر مشروع "مجمع الصواريخ" المتكامل، ما أدى إلى "فلسطنة" الفضاء العالمي.

لفهم ما يجري، يقترح الكاتب أن ينظر الأمريكيون إلى أنفسهم من وجهة نظر ضحايا سياساتهم. إلقاء القنبلة النووية على اليابان لم يخدم هدفًا عسكريًا بقدر ما كان إعلانًا عن تفوق أمريكي واستعداد لاستخدام أقصى درجات العنف لتحقيق الهيمنة. بعدها، جنّدت واشنطن علماء ومخابرات من دول مهزومة، وبدأت تدخلاتها حول العالم تحت ذريعة "احتواء الشيوعية".

بعد الهزيمة في فيتنام عام 1975، غيّر الجيش الأمريكي عقيدته. حروب أمريكا التالية أصبحت أكثر سرية، إلى أن جاءت حرب الخليج الأولى، التي مثّلت نقطة تحول في العلاقة بين الإعلام والجيش. غُيب الواقع خلف تغطيات "مرافقة" للقوات، ما سهّل طمس الحقائق. العقوبات على العراق قتلت مئات الآلاف، لكن بلا صورة تختصر المأساة.

اليوم، يصعب أيضًا تصوير المعاناة في غزة. الأخطر أن إسرائيل، بدعم أمريكي مطلق، تساهم في قمع شعوب دول كثيرة حول العالم من خلال تصدير نموذج "الأمن مقابل الإخضاع". في ظل هذا التواطؤ، ما السبيل لإيقاف الإبادة الجارية؟ هل يستطيع "القانون الدولي" – بلا قوة تفرضه – مواجهة آلة نهب وضم وقتل؟ وهل يمكن فعلاً منع تدمير المسجد الأقصى وتهجير الفلسطينيين إذا استمر الصمت؟

الكاتب يتساءل: هل يملك مزيد من الناس في "العالم الحر" شجاعة تعطيل شحنات السلاح ومقاومة النظام، كما فعل البعض بالفعل، حتى يتوقف هذا الجحيم؟

https://www.middleeasteye.net/opinion/vietnam-us-israel-gaza-global-war-on-resistance