توالى ظهور نحو 123 مختفيًا قسريًا خلال شهري مارس الماضي وإبريل الجاري، أمام نيابات أمن الدولة العليا التي تحيلهم إلى المحاكمات في تهم معروفة وثابتة منذ العام 2013، ما عده مراقبون أنها خطوة غير معتادة من النظام الانقلابي في مصر.
ووجهت النيابة للمختفين قسريًا تهمًا ثابتة في سجلاتها، ترمي بها كل شخص يريد النظام أن يتخلص منه خلف القضبان، ومنها: "الانضمام لجماعة إرهابية" و"بث ونشر أخبار كاذبة" و"إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي" و"التمويل" و"الترويج لأفكار تحض على العنف".
وكانت نيابة أمن الدولة العليا قد قررت، الخميس الماضي، حبس 24 مختفيًا قسريًا ظهروا بعد اختفائهم لمدد متفاوتة، وفقًا لـ"عربي 21".
وخلال الأسبوع الماضي ظهرت 8 سيدات من المختفيات قسريًا في نيابة أمن الدولة العليا، وجرى حبسهن أيضًا على ذمة تلك القضايا، وهن 3 شقيقات تعرضن للإخفاء القسري 3 أشهر، وشقيقتان اثنتان، و3 نساء أخريات.
والاثنين الماضي، ظهر 20 معتقلاً من المختفين قسريًا في النيابة بينهم الفتاة هند محمد صبحي، والشابان المسيحيان أنطونيوس يوسف نجيب ومينا يوسف نجيب، وتم اتخاذ ذات الإجراءات بحقهم.
وفي 15 أبريل الجاري، ظهر المعتقل أحمد صلاح عبد الله قرني (32 عامًا) بعد اختفائه قسريا مدة 5 سنوات، بينما ظلت وزارة داخلية حكومة الانقلاب تنكر علاقتها باعتقال صلاح تعسفيا، أو تعرضه للإخفاء القسري منذ عام 2020.
وتم في اليوم ذاته الكشف عن مصير 25 معتقلاً جرى إخفاؤهم قسريا لفترات متفاوتة.
وفي 12 إبريل الجاري، قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس 12 معتقلاً بعد ظهورهم من الإخفاء القسري.
وفي 29 مارس الماضي، تم حبس 16 مواطنًا بعد إخفائهم قسريًا بينهم 3 أشقاء وفتاتان.
وفي 23 مارس الماضي، ظهر 16 مختفيًا قسريًا في نيابة أمن الدولة العليا، بينهم 3 أشقاء وفتاتان، وتم حبسهم مدة 15 يومًا بذات الاتهامات.
وفي 11 مارس الماضي، ظهر الطفل بالصف الثالث الإعدادي محمد خالد جمعة، بنيابة أمن الدولة العليا، بعد إخفائه قسريًا من جانب جهاز الأمن الوطني لما يقارب الشهر.
حينها علقت منظمة "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" بالقول إن "اعتقال الطفل محمد خالد وإخفاؤه قسريا تسبب في صدمة كبيرة لأسرته وأصدقائه وجيرانه، خاصة أنه يبلغ من العمر 15 عاما فقط، وقد فقد والده منذ 3 أشهر بعد معاناة طويلة مع المرض، وهي الفترة التي شهدها محمد وعايش تفاصيلها حتى وفاة والده، ما زاد من معاناة أسرته".
ذلك التكرار الذي قرأ فيه حقوقيون بارقة أمل، يدفع للتساؤل: هل هذا الظهور المتتابع للمعتقلين المختفين قسريا خطوة من النظام لإنهاء ملف المعتقلين قسريا؟ أم إنه استجابة للضغوط الحقوقية الدولية لتحسين صورة ملف مصر الحقوقي؟
"ثمرة الضغوط الدولية"
من جانبه، قال الحقوقي محمود جابر، إن "ظهور المختفين قسرا خلال الفترة الحالية لا أعتقد أن له علاقة بإنهاء الحكومة لهذا الملف، ولكن هي فقط ثمرة الضغوط الحقوقية الدولية".
"مدير مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان"، أوضح أن "ملف حالات الإخفاء القسري الذي مارسته الحكومة عن طريق الشرطة وضباط مباحث الأمن الوطني خلال السنوات الماضية كبير، فلقد تعرض أكثر من 15 ألف رجل وامرأة للإخفاء القسري".، وفقًا لـ"عربي 21".
ولفت إلى أن "هناك توثيقًا غير دقيق لحالات ما زالت رهن الإخفاء القسري، وهم بالمئات"، موضحًا أن "التوثيق غير دقيق نظرًا لغياب الشفافية في الحصول على المعلومات الحقوقية والانتهاكات التي تحدث في مصر بشكل عام".
وأكد أنه "ما زال هناك حتى هذه اللحظة أكثر من 100 مواطن رهن الإخفاء القسري لسنوات عديدة، أبرزهم: عبدالله محمد صادق الذي اختفى منذ أكثر من 7 سنوات، والدكتور مصطفى النجار، ومن قبلهما نجل المحامي إبراهيم متولي، الذي اختفى منذ أحداث الحرس الجمهوري يوليو 2013".
وخلص للقول إن "الإخفاء القسري ما زال مستمرًا في مصر، وهي جريمة لم تنته بعد، ولكن هناك إخفاء لمدة قصيرة وليست طويلة على إطلاقها كما كان يحدث من قبل، فعملية الإخفاء القسري حاليًا تكون لأشهر معدودة ما بين 3 و 6 أشهر".
"ظهورهم يبعث على الأمل"
قال الحقوقي المصري أحمد العطار، إن "الغالبية العظمى، إن لم يكن جميع من ظهروا مؤخرا أمام نيابة أمن الدولة العليا خلال الشهور الماضية، هم من المواطنين الذين قامت قوات الأمن المصرية باعتقالهم تعسفيا من محافظات مختلفة، وإخفائهم قسرا لفترات تتراوح بين 6 و 7 أشهر، وليس لسنوات".
المدير التنفيذي لـ"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، أكد أن "الاستثناء الوحيد كان ظهور المواطن أحمد صلاح من مدينة الفيوم، والذي كانت الشبكة المصرية قد نشرت سابقا عن اعتقاله تعسفيا وإخفائه قسرا منذ ما يقارب الـ5 سنوات".
وأوضح أنه "كان قد مثل أمام نيابة أمن الدولة العليا في 25 فبراير الماضي، حيث تم التحقيق معه، وصدر قرار بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق، وتم ترحيله إلى مركز بدر للإصلاح والتأهيل (بدر 3)".
وبين العطار، أن "أحمد صلاح، كان الاستثناء الوحيد من بين عشرات الحالات التي حققت معها نيابة أمن الدولة، والتي وردت بشأنها محاضر ضبط حديثة مؤرخة بتاريخ سابق ليوم التحقيق بـ24 ساعة فقط".
وأشار إلى أن "ذلك الأمر يمثل مخالفة واضحة للحقيقة التي يعلمها الجميع، وفي مقدمتهم وكيل النائب العام أو المحقق، بحكم البلاغات الرسمية التي يتقدم بها أهالي المختفين قسرا إلى مكتب النائب العام والنيابة العامة، ورغم علمه بذلك، فإن قرارات الحبس تصدر بحقهم، بدلا من إخلاء سبيلهم".
"وعلى مدار السنوات الماضية، قامت الشبكة المصرية إلى جانب منظمات حقوقية مصرية ودولية، بكشف بشاعة ملف الاختفاء القسري في مصر، حيث لا يزال المئات من المواطنين مختفين لسنوات طويلة، تعود بعض الحالات إلى أحداث (موقعة الجمل) إبّان ثورة 25 يناير 2011، وفق قول الحقوقي المصري.
وأوضح أنه "رغم أن من يظهرون بعد سنوات طويلة يُعدّون قلة، فإن مجرد ظهورهم يبعث على الأمل ولا يُحبطنا كحقوقيين، بل يحفّزنا على الاستمرار في الضغط من أجل إنهاء هذا الملف القمعي، ومحاسبة المسؤولين عنه".
وختم بالقول: "يرى النظام المصري أن القمع والاعتقال اليومي للمواطنين بشكل ممنهج هو الحل للهروب من أزماته السياسية والاقتصادية، والتهرب من مسؤولياته في توفير الأمن، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي".
"تقنين الوضع القائم"
الحقوقي المصري محمد زارع، أكد أنه "لا يوجد حصر دقيق لعدد المختفين قسريا في السجون ومراكز الاحتجاز المصرية، وأنه لا يوجد حصر دقيق لعدد من ظهروا في الفترة الأخيرة بعد الاختفاء القسري".
مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، استدرك بقوله: "لكن ظهور هذا العدد من المختفين قسريا في نيابات أمن الدولة العليا وإحالتهم للمحاكمات بعد فترات من الإخفاء القسري طويلة، ليس معناه أنهم ينهون بذلك ملف الاختفاء القسري".، وفقًا لـ"عربي21".
وأوضح أن "معناه تقنين الوضع القائم، وأن هناك أشخاصا بحوزتهم ولم يكن هناك سبب قانوني لاحتجازهم، والآن يقدمون سببا قانونيا من وجهة نظرهم بأن هؤلاء الأشخاص متهمون في قضية، وأن هناك تحقيقات نيابة معهم، وما يتبعه ذلك من حبس احتياطي لسنوات".
وتمنى زارع، أن "تخلي النيابة أو المحكمة سبيلهم جميعا، لو أن هؤلاء لم يرتكبوا أية جرائم ولم يدعوا إلى العنف"، مضيفا أنه "لذا فلا أظن أن ظهورهم في النيابات والمحاكم يعني انتهاء هذا الملف".
ويرى أن "ما يجري هو استمرار لفترة احتجازهم لكن بأسباب جديدة، تحت بند الحبس الاحتياطي على ذمة قضية معينة أو أنه تتم محاكمتهم باتهام محدد، وعندها يكون موجودا لديهم بشكل قانوني".
ومضى يؤكد أنه "يمكن أن أتفق في أن يكون هذا إنهاء للملف بأن يكون عرضهم على النيابة تبعه قرار بإخلاء سبيلهم، والإقرار بأنه لا توجد أسباب منطقية لاحتجاز هؤلاء الأشخاص، هنا أتفق بأن هذا إنهاء للملف، وأن الدولة تحاول الوصول لتبرئة وإخلاء سبيل كل من لم يتورط في عنف ويدعو له".
وختم بالقول: "ولكن طالما أن المسألة لم تتم بهذا الشكل فنحن نعد شهورا وسنوات من جديد عليهم ولكن بأسباب جديدة"، معربا عن أمنيته في أن "ينتهي ملف المعتقلين بإخلاء سبيل كل من بالسجون وتهدئة الأوضاع داخل البلاد كحاجة ملحة الآن".