بعد فقد مصر دورها الريادي في القرن الإفريقي بسبب الانقلاب العسكري في 2013 وما ترتب عليه من استيلاء عبد الفتاح السيسي على السلطة وتقديمه تنازالت أطاحت بدور مصر في القارة الإفريقية مقابل الاعتراف بشرعيته، كشفت مصادر دبلوماسية، بأن مصر تتحرك بهدوء في كواليس الأزمة المتفاقمة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتسعى إلى أداء دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة هناك، في إشارة إلى أزمة شرق الكونغو المتواصلة في ظلّ المعارك بين قوات الجيش والمتمردين من حركة 23 مارس المدعومة من رواندا، وذلك في محاولة لإعادة مكانة مصر السياسية في القارة الأفريقية، وبشكل خاص بين دول حوض النيل التي تشهد علاقاتها مع مصر توتراً مستمراً بسبب ملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي. اتصالات مع جانبي الصراع وكشفت المصادر أن عبد الفتاح السيسي أجرى أخيراً مع كل من رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، ورئيس رواندا بول كاغامي، لا توضع فقط في سياق المتابعة الدورية للعلاقات الثنائية، بل تأتي ضمن اهتمام مصر بأحداث منطقة البحيرات الكبرى وشرق أفريقيا، في ظل استمرار أزمة شرق الكونغو المرتبطة بالنزاع المسلح في إقليم كيفو الشرقي بالكونغو الديمقراطية. تقليل النفوذ الإثيوبي وترى دوائر دبلوماسية مطلعة أن التحرك المصري في هذا التوقيت يخدم هدفاً مزدوجاً، فمن جهة هو محاولة لتعزيز حضور القاهرة في ملفات القارة الحيوية، ومن جهة أخرى هو تكتيك دبلوماسي لتحسين التموضع المصري في ملف مياه النيل. وتشير المصادر إلى أن مصر تسعى إلى كسب دعم دول حوض النيل أو تحييد مواقفها إزاء المفاوضات المتعثرة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة. وفي هذا السياق، يأتي اهتمام القاهرة بمناطق النزاع داخل القارة باعتباره وسيلة لتعزيز الثقة السياسية المتبادلة وفتح قنوات تعاون جديدة تُقلّص النفوذ الإثيوبي المتزايد في المنطقة. ويأتي ذلك في وقت تسعى فيه أديس أبابا لتثبيت أقدامها دبلوماسياً عبر استثمارات وشراكات استراتيجية مع دول البحيرات الكبرى. تأثير ضعيف وفشل متوقع ويرى مراقبون أن اتصالات الجنرال السيسي لا ترقى للتأثير في الوضع الراهن، فالموضوع يحتاج إلى جهد أكبر وزيارات ومتابعات وخبرات دبلوماسية متزايدة وعلاقات متوازنة مع جميع الأطراف، حيث يبدو أن السيسي يفتقر لكل هذا. بالإضافة لضعف ثقل وزن السيسي في القارة الإفريقية فإن دول أخرى قد سبقته وحققت تقدمات ملحوظة مثل قطر وأمريكا. ومنذ أيام أعربت حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة «إم 23» التي يقاتل عناصرها ضد قوات الحكومة في شرق البلاد، عن رغبتهما في التوصل إلى «وقف لإطلاق النار» إثر محادثات جرت بوساطة قطرية، وذلك بحسب بيان مشترك نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية». وتضمن البيان أنه «بعد مناقشات صريحة وبنّاءة، اتفق ممثلو جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحالف القوى من أجل التغيير (حركة إم 23) على العمل نحو التوصل إلى هدنة». وأبدى الطرفان رغبتهما في التوصل إلى وقف فوري للأعمال العدائية، مؤكدين عزمهما على احترامه «فوراً» و«طوال مدة المحادثات وحتى اختتامها». ولم تقدم قطر رسمياً تفاصيل بشأن رعايتها للمحادثات ومدتها، غير أن الدوحة استضافت مطلع أبريل (نيسان) الحالي محادثات «سرية» بين المتمردين ومسؤولين بالكونغو، وفق «رويترز». في حين تأجَّلت محادثات علنية بعدها بأيام. وبينما لم يتضح سبب تأجيل الاجتماع، قال مسؤول كونغولي إنها «مسألة تنظيمية ليس إلّا». وفشلت أنجولا، مارس الماضي، في جمع حكومة الكونغو وحركة «إم 23» لإجراء مفاوضات لوقف إطلاق النار، بعد إعلان الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على قادة بالحركة ومسؤولين روانديين، وتلا ذلك محادثات الدوحة. ولا تزال الولايات المتحدة تراهن على إنهاء النزاع الحالي وتحييد التدخلات الخارجية المحاصرة لفرص إتمام اتفاق، وأكد المستشار الأميركي الأول للشؤون الأفريقية ماساد بلس، ونائبة مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية كورينا ساندرز، في إحاطة صحافية قبل أسبوع، أن تدخّل رواندا العسكري في شرق الكونغو الديمقراطية يُعدّ «غير مقبول، وسبباً رئيسياً لعدم الاستقرار»، مشيراً إلى أن «ما كانت جماعة (إم 23) لتصبح القوة العسكرية التي هي عليها (اليوم) من دون دعم خارجي، ولا سيما من رواندا»، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية». ومنذ 2021، أُقرّ أكثر من 10 اتفاقات هدنة في شرق الكونغو الديمقراطية الغني بالموارد الطبيعية، والذي يشهد نزاعات منذ مدة طويلة. وباءت بالفشل كلّ المحاولات الدبلوماسية لإنهاء النزاع. ويعتقد محللون أن الموقف الرواندي سيكون له أثر في الموقف النهائي للحركة المتمردة، والضغوط الإقليمية والدولية والدور هو الدور الذي ستلعبه الدوحة على «أمل تحقيق ضوء في نهاية النفق، وذلك في فترة ليست بقليلة». ويرى محللون، إنه «من الواضح أن مفاوضات الدوحة كان خلفها لاعبون دوليون وليست قطر وحدها، وغالباً كانت الولايات المتحدة الأميركية التي تعد قطر حليفاً لها، لكن تظل
المخاوف قائمة ما لم يتم إدخال اللاعبين الإقليميين، خاصة أوغندا وبوروندي وأنغولا، في صورة التسوية»، داعين إلى توسيع أطراف المحادثات لعدم انهيارها لاحقاً.