تواجه سوق توزيع الأدوية في مصر أزمة مالية حادة تهدد استقرار سلاسل التوريد، بعد تراكم مديونيات ضخمة على الهيئة المصرية للشراء الموحد لصالح اثنتين من أكبر شركات توزيع الأدوية في البلاد، وسط تحذيرات من تعطل حركة التوريد للمستشفيات الحكومية ونقص فعلي في بعض المستلزمات والأدوية. وكشفت مصادر مطلعة في شركتي ابن سينا فارما وفارما أوفرسيز أن إجمالي المستحقات المتأخرة لدى هيئة الشراء الموحد بلغ حوالي 12 مليار جنيه، مما أضعف قدرة الشركتين على الاستمرار في تغطية الطلب الحكومي، في ظل اعتمادها على تسهيلات بنكية باتت تقترب من حدودها القصوى. اتفاقات لا تُنفذ وقال مصدر مسؤول في ابن سينا فارما إن شركته لديها مستحقات تصل إلى 5 مليارات جنيه لم تُصرف منذ العام الماضي، رغم وجود اتفاقات متكررة مع وزارة المالية وهيئة الشراء الموحد على صرفها. وأضاف: "استمرار التأخير يضع الشركات في وضع مالي حرج ويهدد قدرتها على التوزيع." وأكد مصدر من مجلس إدارة فارما أوفرسيز أن ديون الهيئة تجاه شركته تبلغ 7 مليارات جنيه، مشيرًا إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية بنسبة تصل إلى 40% خلال العام الأخير فاقم من العبء المالي، بينما لم تتمكن الهيئة من سداد التزاماتها بشكل منتظم. وتستحوذ الشركتان على نحو 60% من سوق توزيع الدواء في مصر، بإجمالي مبيعات بلغ 112 مليار جنيه بنهاية العام الماضي، وتُمثل المبيعات للقطاع الحكومي بين 15% إلى 20% من إجمالي السوق سنويًا، مما يعكس حجم الخطر في حال تعثر التوريد لهذا القطاع. حلول جزئية ومقترحات للتنصل وفي محاولة لاحتواء الأزمة، صرّح وزير الصحة ونائب رئيس الوزراء خالد عبد الغفار في فبراير الماضي أن الهيئة صرفت مليار جنيه فقط من مستحقات شركات التوزيع، فيما خصصت الهيئة 1.6 مليار جنيه أخرى لتوفير أصناف حرجة حتى منتصف 2025، وهي أرقام لا تُقارن بحجم الديون المتراكمة. وفي الوقت نفسه، يجري حاليًا داخل وزارة الصحة دراسة مقترح لتغيير آلية السداد، بحيث تتولى المنشآت الطبية الحكومية المستفيدة من الأدوية سداد قيمة المشتريات مباشرة إلى الشركات، على أن تظل الهيئة منوطًا بها التنسيق العام والتعاقد وتحديد الأسعار. ويقضي المقترح بأن تلتزم كل منشأة بسداد 7% من قيمة طلبية الشراء لصالح هيئة الشراء الموحد، وهي النسبة المقررة في اللائحة التنفيذية لقانون إنشاء الهيئة الصادر في مارس 2020. نتائج الأزمة بدأت بالظهور تداعيات الأزمة لم تعد حبيسة الأرقام. ففي فبراير الماضي، كشفت حملات تفتيش ميدانية لوزارة الصحة عن نقص فعلي في المستلزمات الطبية في مستشفى منية النصر ومكتب طب أسرة البجلات بالدقهلية، بما في ذلك مستلزمات مكافحة العدوى وبعض الأدوية الأساسية، ما استدعى تدخلًا عاجلًا لتغطية النواقص. وأكدت مصادر في الوزارة أن بعض الشركات أوقفت التوريد بسبب التأخر في سداد المستحقات، مما أثّر على توفر المنتجات الدوائية في عدد من المنشآت الصحية.

