لا يكتفي العسكر منذ الإطاحة بالرئيس محمد نجيب من التفريط بالأراضي المصرية سواء بالتخلي أو التنازل عنها مثلما تنازلوا عن السودان، أو بالدخول في حروب خاسرة، وخسارة مزيد من الأرض أمام الصهاينة، أو بترسيم الحدود والتفريط في الأراضي والحقوق الملاحية.
ولعل أبرز ما أثار غضبا شعبيا في الساعات الماضية هي قرية أم الرشراش المطلة على البحر الأحمر وبالقرب من طابا والتي كانت تحت السيادة المصرية حتى عام 1949.
ونشر نشطاء فيديوهات توثق أن أم الرشراش أو ما يطلق عليها ميناء "إيلات" هي أراضي مصرية تنازل عنها السادات ووافق على ذلك محمد حسني مبارك عند استلام طابا تاركا للصهاينة المنفذ الوحيد لهم على البحر الأحمر.
وفي أحد الفيديوهات قائد قوات حرس الحدود لواء أحمد ابراهيم محمد ابراهيم يؤكد أن #ام_الرشراش أرض مصرية ما زالت بحوزة العدو منذ 1949سنة وأصبح اسمها الآن إيلات.
https://x.com/i/status/1735959057578549492
وفي فيديو آخر اعترف محمد حسني مبارك أن في التقسيم الذي وقعه السادات قد تنازل عن أم الرشراش، مكتفيا بقوله في الفيديو خلاص وأنه تفاجأ بذلك ووافق.
https://x.com/i/status/1735960552462074048
https://x.com/ERC_egy/status/1914950324579664331
تعرف على ميناء أم الرشراش الذي تنازل عنه العسكر للصهاينة
ثلاث مميزات جعلت من هذه القرية الصغيرة أرضا للصراع للسيطرة عليها، فهي منفذ لفلسطين على البحر الأحمر، وبقعة تربط الأراضي الفلسطينية بالأراضي الأردنية والمصرية برا وبحرا في آن واحد، ونقطة اتصال بين قارتي آسيا وأفريقيا.
وتحدها صحراء النقب انتهاء بمدينة بئر السبع شمالا، مدينة العقبة الأردنية شرقا، البحر الأحمر جنوبا، وبلدة طابا المصرية غربا.
أم الرشراش قرية عربية مهجرة، أقصى جنوب فلسطين، وجنوب مدينة بئر السبع، على الجهة الشرقية لشبه جزيرة سيناء، وتطل على خليج العقبة، وهي آخر بلدة فلسطينية في الجنوب، كانت تتبع إداريا لمدينة بئر السبع وتبعد عنها حوالي 235 كم، وتقدر مساحة أراضيها بنحو 85 ألف دونم، واحتلت القرية في عام 1949 على يد جنود من لواء جولاني ولواء النقب في سياق عملية "عوفدا".
وقد سميت كذلك نسبة للقبيلة العربية التي كانت تقيم فيها، ورغم ذلك فإن لها تسميات عدة، لكل منها أسبابها، ومن تلك التسميات: قرية الحجاج أو الحجيج، وقد أطلق عليها هذا الاسم أو اللقب كونها كانت محطة لاستراحة الحجاج القادمين من مصر وبلاد الشام القاصدين الديار المقدسة في ذهابهم وعودتهم. والمرشش نسبة للقبيلة العربية التي استقرت في القرية. وأيضا تعرف بأيلة أو إيلات: وهي تسمية قديمة أطلقها الصليبيون عليها عقب احتلالهم لها، فيما يرجح البعض أنها تسمية كنعانية وأن الكنعانيين هم من أطلقوا عليها هذه التسمية.
ويعتقد بأن لموقع القرية الجغرافي دور في تحديد النشاط الاقتصادي في أم الرشراش، حيث أن أهل القرية مارسوا أعمال الزراعة وتربية الماشية وصيد الأسماك، بالإضافة إلى ازدهار عمليات التبادل التجاري مستفيدين من موقعها على شاطئ البحر الأحمر، وقربها من الأراضي الأردنية والمصرية.
واختلف المؤرخون في تصنيف قرية أم الرشراش فبعضهم اعتبرها هي ذاتها بلدة أيلة/ إيلات، وصنفها المؤرخ مصطفى الدباغ بأنها مختلفة عنها، ويذكر أن المرشش (أم الرشراش) بلدة فلسطينية وأيلة بلدة مصرية.
ونظرا لأهمية موقعها الجغرافي استخدمها الرومان والبيزنطيون والنبطيون كقاعدة لهم في بلاد الشام، وفي العصور الوسطى في بعض المراجع التاريخية تذكر أم الرشراش بأنها كانت أول بلدة إسلامية تؤسس خارج شبه الجزيرة العربية، وفي مراجع أخرى البلدة كانت قائمة أساسا وقد بايع أهلها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام.
احتلها الصليبيون مرتين، في الأولى أخرجهم منها صلاح الدين الأيوبي، وفي الثانية أخرجهم منها الظاهر بيبرس عام 1276. وفي عام 1517 خضعت لحكم العثمانيين، وفي عام 1818 ضمها محمد علي باشا للأراضي المصرية وباتت تحت حكمه لكن ما لبثت أن عادت عام 1841 للتبعية العثماني.
وفي عام 1906 عقدت اتفاقية ترسيم حدود بين العثمانيين والبريطانيين الذين كانوا يحتلون مصر آنذاك، بموجب البند الأول لتلك الاتفاقية فإن بلدة طابا تعتبر أول بلدة مصرية في شبه جزيرة سيناء، وبذلك بقيت أم الرشراش تحت التبعية العثمانية، أي اعتبرت أراضي فلسطينية.
وقعت في عام 1917 تحت حكم سلطات الانتداب البريطاني كما هو حال باقي مدن وبلدات فلسطين، وعقب احتلال البريطانيين لفلسطين وفي عام 1928 عقدت اتفاقية بين حكومة الانتداب البريطاني وحكومة شرقي الأردن، وبموجب تلك الاتفاقية ألحقت أم الرشراش بالأراضي الأردنية، وبكلا الحالتين بقيت خاضعة لانتداب البريطانيين وقد أقاموا فيها مركزا للشرطة بقي قائما حتى عام 1948.
منذ بداية حرب عام 1948 بسط الجيش المصري سيطرته على أراضي صحراء النقب، وكان يسيطر على جنوب الضفة الغربية والقدس، حتى منطقة أسدود على
الساحل الفلسطيني لكن العصابات الصهيونية اخترقت الهدنة المتفق عليها مع الجيش المصري وقاموا بعملية عسكرية تحت مسمى "يوآڤ" تمكنوا خلالها من هزيمة الجيش المصري واحتلال جميع القرى والمدن الفلسطينية الواقعة جنوب الخليل في الشرق وحتى مدينة أسدود على ساحل البحر المتوسط.
أما قرية أم الرشراش فمع بدايات عام 1949، فقد نفذت وحدات من جيش الاحتلال عملية هجومية أخرى باسم "هحورب" حيث ولج الجيش الاحتلال إلى سيناء واستولى على طريق بئر السبع- عسلوج، ما أجبر الحكومة المصرية على الاستجابة لضغوط الأمم المتحدة، والموافقة على وقف إطلاق النار والبدء بمحادثات التهدئة على الجبهات القتالية بين الطرفين المصري والإسرائيلي والأردني الذي انضم بعد ذلك إلى طاولة المفاوضات لتحديد خطوط الهدنة بين الدول الثلاثة بشكل نهائي.
قرر الصهاينة فرض الأمر الواقع، والهدف هو الوصول إلى البحر الأحمر، وقد نجح الصهاينة في مفاجأة الضباط والجنود المصريين، الذين كانوا يتواجدون في قرية أم الرشراش وكانوا يلتزمون بوقف إطلاق النار.
ودمرت أم الرشراش العربية بالكامل عقب احتلالها وعلى أنقاضها أسس المحتلون مدينة وميناء إيلات عام 1949، وهو من أهم الموانئ بالنسبة لسلطات الاحتلال.
ولا يعرف على وجه الدقة متى غادر أهل أم الرشراش قريتهم، ولم يذكر أي مصدر موثق للقرية، ما الذي حل بسكانها وعن مصيرهم عقب احتلال قريتهم.
ويوجد مكان القرية مطاران يخدمان السياح، ويربطها معبر حدودي مع مدينة العقبة الأردنية.
أما من ناحية المواصلات البرية فتعتبر إيلات منعزلة عن باقي المدن الفلسطينية إذ يصل إليها شارع رئيسي واحد فقط يمر من وادي عربة. ويوجد معبر حدودي مفتوح على مدار الساعة يخدم السياح العابرين من شبه جزيرة سيناء إلى إيلات.
وما زال الكثير من المصريين يطالبون بها على أساس أنها أرض مصرية. لكن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط صرح في عام 2006 حول ملكية مدينة أم الرشراش بتأكيده على أنها أرض فلسطينية وفقا لاتفاقية ترسيم الحدود بين بريطانيا والدولة العثمانية في 1906 و1922.