تشهد السياسة الخارجية المصرية تحت حكم نظام الانقلاب العسكري تحولاً جذرياً من سياسة التوازن التاريخية إلى انحياز واضح نحو محاور إقليمية ودولية محددة، مع تبعات اقتصادية وسياسية خطيرة.
فمنذ 2013، اتجهت حكومة السيسي إلى تعميق العلاقات مع بعض القوى على حساب المصلحة الوطنية، حيث تجاوزت القروض الصينية لمصر 10 مليارات دولار حتى فبراير 2025، بينما بلغت الاستثمارات الإماراتية في المشروعات العقارية والعسكرية أكثر من 30 مليار دولار خلال نفس الفترة.

في الملف الفلسطيني، اتخذت مصر موقفاً مائعاً من الإبادة الجماعية في غزة، حيث اقتصرت على إدانات شكلية بينما تواصل التعاون الأمني الكامل مع الكيان الصهيوني.
وتشير البيانات إلى أن حجم التبادل التجاري مع إسرائيل زاد بنسبة 40% منذ بداية الحرب على غزة، ليصل إلى 450 مليون دولار سنوياً.
هذا الموقف المتناقض يأتي في إطار سياسة إرضاء المجتمع الدولي وخاصة الدول الخليجية التي تمول النظام بمليارات الدولارات، حيث تشكل الودائع الخليجية أكثر من 40% من إجمالي الاحتياطي النقدي المصري البالغ 32 مليار دولار.

على الصعيد الغربي، تظهر الأرقام تراجعاً ملحوظاً في العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث انخفضت المساعدات الأمريكية السنوية من 1.5 مليار دولار إلى أقل من 300 مليون دولار حالياً.
بالمقابل، زاد الاعتماد على القروض الروسية والصينية، حيث وقعت مصر اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع موسكو وبكين بقيمة إجمالية تصل إلى 25 مليار دولار منذ 2018.
هذه التحولات جاءت نتيجة للسياسات الخاطئة التي أدت إلى عزلة دولية متزايدة.

تكشف سياسة القروض الخارجية عن أزمة عميقة، حيث أصبحت مصر مدينة لأطراف متصارعة في آن واحد. فبينما تحصل على قروض صينية، تواصل التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي يفرض شروطاً تقشفية قاسية.
هذه السياسة المتناقضة تزيد من التبعية، حيث تستهلك خدمة الدين الخارجي التي تصل إلى 12 مليار دولار سنوياً أكثر من 30% من إيرادات الدولة.

في الملف الأفريقي، تشير البيانات إلى انخفاض حجم التبادل التجاري مع الدول الأفريقية من 7.5 مليار دولار عام 2010 إلى أقل من 3 مليارات دولار حالياً، نتيجة لإهمال هذا الملف لصالح تحالفات أخرى.
هذا التراجع يأتي رغم أن أفريقيا كانت تمثل سوقاً استراتيجياً للصناعات المصرية.

موقف مصر من العدوان على غزة يكشف عن عمق الأزمة الأخلاقية في السياسة الخارجية للنظام.
فبينما تقف مكتوفة الأيدي أمام مقتل أكثر من 46 ألف فلسطيني، تواصل تصدير الغاز للكيان الصهيوني عبر خط الغاز الطبيعي الذي تبلغ قيمته 500 مليون دولار سنوياً.
هذا التناقض الصارخ يوضح كيف تحولت السياسة الخارجية إلى أداة لخدمة مصالح النظام الضيقة على حساب المبادئ والقيم التاريخية لمصر.

في الختام، لم تعد السياسة الخارجية المصرية تحقق أي توازن استراتيجي، بل تحولت إلى أداة لتمويل نظام الانقلاب وإدامة بقائه.
فتحت ضغط الديون التي تجاوزت 168 مليار دولار، وجدت حكومة السيسي نفسها مضطرة لتبني مواقف مناقضة لمصالح الشعب المصري وتاريخه النضالي.
من التخلي عن القضية الفلسطينية إلى التبعية للخارج، أصبحت السياسة الخارجية مجرد غطاء لأزمة شرعية نظام يفقد يوماً بعد يوم أي مقومات للاستمرار.