تشهد ديون مصر الخارجية تصاعداً خطيراً تحت حكم نظام الانقلاب العسكري، حيث قفز إجمالي الدين الخارجي من 46 مليار دولار عام 2013 إلى أكثر من 168 مليار دولار بحلول فبراير 2025 وفقاً لأحدث بيانات البنك المركزي المصري.
هذا الارتفاع الكبير في المديونية الخارجية يعكس سياسة الاقتراض المتهورة التي انتهجتها حكومة السيسي، حيث تمت زيادة الديون بمعدل سنوي يزيد عن 12 مليار دولار خلال العقد الأخير، دون تحقيق أي تقدم ملموس في مؤشرات التنمية الاقتصادية الحقيقية.

أصبحت خدمة الدين تستنزف موارد الدولة بشكل غير مسبوق، حيث تشير تقديرات وزارة المالية إلى أن أقساط وفوائد الديون الخارجية تستهلك ما يزيد عن 45% من إيرادات الموازنة العامة للدولة في العام المالي 2024/2025.
وتكشف هذه الأرقام عن كارثة مالية تلوح في الأفق، خاصة مع اقتراب مواعيد سداد العديد من القروض قصيرة الأجل التي حصلت عليها الحكومة بضمانات عسكرية.
وقد تجاوزت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي حاجز الـ 95%، وهي نسبة تنذر بأزمات مالية حادة وفقاً لمعايير المؤسسات المالية الدولية.

تم توجيه الجزء الأكبر من هذه القروض نحو مشروعات غير منتجة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الذكية، بينما أهملت القطاعات الحيوية التي كان من الممكن أن تحقق عوائد اقتصادية حقيقية.
وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن أكثر من 70% من القروض الصينية التي تجاوزت 10 مليارات دولار ذهبت إلى مشروعات بنية تحتية فاخرة بدلاً من تطوير الصناعات التحويلية أو الزراعة.
هذه السياسات الخاطئة أدت إلى تضخم الدين دون تحقيق نمو اقتصادي ملموس، حيث لم يتجاوز معدل النمو الحقيقي 3.5% خلال العام الماضي رغم ضخ المليارات من القروض.

يواجه الاقتصاد المصري الآن خطر الوقوع في فخ الديون، حيث تظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن مصر تحتاج إلى سداد أكثر من 20 مليار دولار من أقساط الديون خلال العامين المقبلين.
هذا المبلغ الضخم يمثل تحدياً كبيراً في ظل تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 32 مليار دولار فقط، وهو ما يكفي بالكاد لتغطية ثلاثة أشهر من الواردات.
وقد أدت هذه الأزمة إلى تدهور تصنيف مصر الائتماني، حيث خفضت مؤسسة "موديز" التصنيف الائتماني لمصر إلى "B3" مع نظرة مستقبلية سلبية.

تعتمد الحكومة المصرية بشكل متزايد على القروض الجديدة لسداد الديون القديمة، في حلقة مفرغة تزيد من أعباء المديونية.
وتشير التحليلات الاقتصادية إلى أن مصر حصلت على أكثر من 15 مليار دولار من القروض الجديدة خلال عام 2024 فقط، تم توجيه 60% منها لسداد ديون مستحقة.
هذه السياسة غير المستدامة تضع الاقتصاد الوطني تحت رحمة الدائنين الدوليين، بينما تزداد شروط الاقتراض قسوة مع كل جولة جديدة من المفاوضات.

في المقابل، تدهورت المؤشرات الاجتماعية بشكل كبير، حيث ارتفعت نسبة الفقر إلى 65% من السكان وفقاً لأحدث إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 30 مليون مصري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما انخفضت حصة الفرد من الإنفاق على الصحة والتعليم إلى أقل من 150 دولار سنوياً.
هذه المؤشرات المقلقة تكشف أن المليارات التي تم اقتراضها لم تتحول إلى تحسن في مستوى معيشة المواطن العادي، بل ذهبت إلى تغذية الفساد والمشروعات الفاخرة.

تتجاهل حكومة الانقلاب التحذيرات الدولية المتكررة من مخاطر استمرار سياسة الاقتراض المتهورة، حيث وقعت مؤخراً اتفاقيات جديدة مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار تشمل شروطاً قاسية مثل خفض الدعم وزيادة الضرائب.
هذه الإجراءات التقشفية تزيد من معاناة المواطنين، حيث ارتفع معدل التضخم إلى 35% في المناطق الحضرية، بينما فقد الجنيه المصري أكثر من 80% من قيمته أمام الدولار منذ 2016.

تواجه مصر أزمة ديون خارجية غير مسبوقة تهدد بانهيار اقتصادي شامل إذا لم يتم تغيير السياسات الحالية. فبدلاً من استخدام القروض في مشروعات تنموية حقيقية، حولتها حكومة الانقلاب إلى أداة لإثراء النخبة الحاكمة وإدامة سيطرتها على السلطة.
هذه السياسات الفاشلة تضع الاقتصاد المصري على حافة الهاوية، حيث أصبحت قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية الدولية موضع شك متزايد من قبل الخبراء والمحللين الاقتصاديين.