تتواصل أعمال هدم المقابر التاريخية في منطقة الإمام الشافعي بمحافظة القاهرة، وسط تواجد أمني مكثف يحظر التصوير والزيارات، مما يثير تساؤلات واسعة حول مصير التراث المصري العريق.
هدم متسارع لمقابر ذات قيمة تاريخية
خلال الأسابيع القليلة الماضية، شهدت المنطقة عمليات هدم مستمرة بدأت غالبًا بعد منتصف الليل، حيث يتم تسوية المقابر بالأرض قبل بزوغ الفجر، لتأتي الشاحنات لاحقًا لنقل الركام بعيدًا عن الأنظار.
ووفقًا لشهادات بعض الباحثين في التراث والآثار، والذين فضّلوا عدم ذكر أسمائهم خشية التعرض للملاحقة، فقد تم تدمير عدد من المقابر التي تعود إلى شخصيات تاريخية بارزة.
أكد أحد الباحثين أن من بين المقابر التي تعرضت للهدم مؤخرًا، مقبرة زهرة فاضل، ابنة مصطفى فاضل ابن إبراهيم باشا ابن محمد علي، ومقبرة إبراهيم أدهم الدمرداش، حفيد عبد الرحيم الدمرداش، الذي وهب أرضه لمستشفى الدمرداش، كما أُزيلت مقبرة علي مير رضا يكن، شقيق أمينة زوجة محمد علي، والتي كانت تُعد من أجمل المقابر في المنطقة من حيث الزخرفة والتكوين الفني.
تصعيد أمني ومنع للتصوير
الموجة الأخيرة من الهدم، التي بدأت منذ السادس من فبراير الماضي، تتم بوتيرة أسرع مقارنة بالمراحل السابقة، وافتُتحت بإزالة مقبرة الشاعر محمود سامي البارودي، تلاها مدفن محمد زكي أبو شادي.
وفي اليوم ذاته، قامت الأجهزة الأمنية بتكثيف وجودها في المنطقة، وأوقفت الباحثين مصطفى الصادق، مؤلف كتاب "كنوز مقابر مصر"، وإبراهيم طايع، مؤسس مجموعة "جبانات مصر"، حيث تم إجبارهما على مسح كافة الصور والفيديوهات الخاصة بالمقابر من هواتفهما، وتم تحذيرهما من العودة إلى المكان.
وفي فجر 11 مارس، أُزيلت قبة كلزار وحسين التي يعود تاريخها إلى عام 1849، وهي إحدى المقابر النادرة التي احتوت على شواهد وزخارف فنية مميزة، كما تم هدم مدرسة رابعة العدوية، والتي كانت جزءًا من مقبرة البرنس يوسف كمال، وسط مخاوف من إزالتها بالكامل في أي لحظة، كذلك، جرى تفكيك السقف الخشبي للحوش الذي يضم مقبرة الإمام ورش، مما ينذر بهدمها قريبًا.
مطالبات بالحفاظ على التراث وسط غموض حكومي
في الوقت الذي يواصل فيه الباحثون في الآثار والتراث مناشداتهم للحفاظ على هذه المقابر التاريخية، دعا مصطفى الصادق الجهات المسؤولة إلى الاستعانة بالمتخصصين لفك النقوش واللافتات والشواهد الأثرية بطريقة علمية ونقلها إلى مكان يحفظها من الاندثار، غير أنه أبدى تخوفه من أن تكون العناصر الفنية لهذه المقابر قد دُمرت بالكامل خلال عمليات الهدم العشوائية.
وكان مصطفى مدبولي رئيس حكومة السيسي، قد أعلن في أكتوبر الماضي عن وقف فوري لأعمال الهدم بعد موجة غضب أثارتها إزالة مدفن أثري يعود إلى "نام شاز قادين"، مستولدة محمد علي وأم أولاده، كما أعلن وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو عن إيقاف الهدم مؤقتًا لحين دراسة أوضاع الأضرحة والمدافن المستهدفة بالإزالة، مع وعود بإعادة النظر في المسار المخطط للمشروع الجاري تنفيذه.