رغم التصريحات المتكررة من سلطات السيسي والإعلام الموالي لها حول حدوث انفراجة في ملف حقوق الإنسان، إلا أن الوقائع على الأرض تعكس صورة مغايرة تماماً.
فقد أكدت منظمة "لجنة العدالة" (كوميتي فور جستس) أن الاعتقالات التعسفية لا تزال مستمرة بشكل ممنهج في مصر، حيث يتم تقديم المحتجزين أمام جهات تحقيق استثنائية مثل نيابة أمن الدولة العليا، ما يُعد انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية.
 

انتهاكات متزايدة وسط إجراءات استثنائية
   في بيان رسمي صدر أمس الاثنين، كشفت لجنة العدالة عن رصدها إحالة 65 متهماً جديداً إلى نيابة أمن الدولة العليا خلال الفترة من 2 إلى 6 مارس فقط، في جلسات سريعة تفتقر إلى الشفافية والعدالة، دون أن تُتاح للمحتجزين فرصة الدفاع عن أنفسهم بشكل قانوني.
وأكدت المنظمة أن هذه الإجراءات تُستخدم كأداة لقمع المعارضين السياسيين وإطالة أمد الاحتجاز دون محاكمة، في انتهاك واضح للقانون والدستور.
 

التناقض بين التصريحات الرسمية والواقع الميداني
   في الوقت الذي تتفاخر فيه الصحف الموالية للسيسي بإطلاق سراح 56 متهماً آخرين على ذمة 18 قضية سياسية، معتبرة ذلك جزءاً من سياسة دعم الحريات، تؤكد التقارير الحقوقية أن هذه الإجراءات لا تعكس تغييراً حقيقياً في المشهد الحقوقي، وإنما تُستخدم كأداة للترويج الدعائي.

ولفتت لجنة العدالة إلى أن "الإعلام الموالي للنظام يلعب دوراً رئيسياً في تزييف الحقائق، إذ يتم تقديم الإفراجات المحدودة كدليل على التحسن الحقوقي، بينما تستمر حملات الاعتقالات الواسعة النطاق بلا توقف".
وأضافت المنظمة أن "تحسين صورة مصر دولياً لن يتحقق من خلال الدعاية الإعلامية، بل عبر إصلاحات حقيقية تشمل وقف الاعتقالات التعسفية وضمان المحاكمات العادلة".
 

انتهاكات دستورية وقانونية مستمرة
   يتناقض الواقع الحقوقي في مصر مع القوانين المحلية والدولية التي تضمن الحريات الأساسية. فوفقاً للدستور المصري لعام 2014، تنص المادة 54 على أن "حرية الشخص حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق".
كما تؤكد المادة 55 على وجوب معاملة المحتجزين بما يحفظ كرامتهم وعدم تعرضهم لأي إيذاء بدني أو معنوي.

غير أن الواقع يشير إلى تكرار انتهاك هذه النصوص، حيث يتم اعتقال الأفراد دون أوامر قضائية مبررة، ويُحرمون من حقوقهم الأساسية مثل التواصل مع محاميهم أو الحصول على محاكمات عادلة.
وتُستخدم الحبس الاحتياطي كوسيلة للعقاب السياسي، حيث يتم تجديد فترات الاحتجاز بشكل دوري دون محاكمات أو أدلة كافية، ما يخالف قانون الإجراءات الجنائية المصري، الذي يضع ضوابط محددة لفترات الاحتجاز الاحتياطي.
 

مصر والالتزامات الدولية.. تجاهل مستمر
   إلى جانب القوانين المحلية، تخالف هذه الممارسات بشكل صارخ الالتزامات الدولية لمصر في مجال حقوق الإنسان.
فالمادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحظر الاعتقال التعسفي، كما تنص المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي وقّعت عليه مصر، على أن لكل فرد الحق في الحرية والأمان الشخصي، ولا يجوز اعتقاله أو احتجازه تعسفياً.

ورغم هذه الالتزامات، لا تزال السلطات تمارس الاعتقالات التعسفية وتستخدم نيابة أمن الدولة كأداة لتقييد الحريات، مما يزيد من تدهور وضع حقوق الإنسان في البلاد.
 

دعوات إلى الإصلاح وإطلاق سراح المعتقلين
   في ختام تقريرها، دعت لجنة العدالة السلطات إلى اتخاذ إجراءات فعلية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، من خلال:

  • إنهاء الاعتقالات التعسفية
  • الإفراج عن جميع المحتجزين السياسيين
  • ضمان محاكمات عادلة وفقاً للمعايير الدولية
  • محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الحقوقية
  • وقف استخدام الحبس الاحتياطي كأداة للقمع السياسي

وأكدت اللجنة أن "الإصلاح الحقيقي لا يأتي من خلال التصريحات الإعلامية، بل عبر قرارات سياسية تعكس احترام الدولة لحقوق الإنسان وكرامة مواطنيها".