في تقرير حقوقي حديث، سلطت لجنة العدالة (كوميتي فور جستس) الضوء على الإشكاليات التي تعيق تطبيق مبدأ الولاية القضائية الجنائية العالمية على قضايا الإخفاء القسري في كل من مصر والسودان، على الرغم من كونه أداة قانونية فعالة لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم في ظل تقاعس السلطات الوطنية عن تحقيق العدالة.
الولاية القضائية العالمية.. آلية محاسبة تواجه عراقيل
يُعتبر مبدأ الولاية القضائية العالمية أحد الأدوات القانونية الأساسية في مكافحة الإفلات من العقاب، إذ يتيح للدول ملاحقة مرتكبي الجرائم الجسيمة بغضّ النظر عن مكان وقوعها أو جنسية الجناة والضحايا.
ومع ذلك، فإن هذا المبدأ لم يُطبّق عمليًا في مصر والسودان، حيث لم تشهد الدولتان محاكمات لمرتكبي الجرائم الخطرة بموجب هذا الإطار القانوني، سواء أكانوا مواطنين أم أجانب.
عقبات قانونية وسياسية تعرقل العدالة
أوضحت لجنة العدالة أن هناك عقبات قانونية وهيكلية تعوق تنفيذ الولاية القضائية العالمية في مصر والسودان، حيث تفتقر القوانين المحلية إلى تشريعات صريحة تجرّم الإخفاء القسري بشكل واضح أو تتيح مقاضاته على نطاق دولي.
ففي السودان، ورغم انضمامه إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري عام 2021، لا يزال الإطار القانوني المحلي غير متكامل مع الالتزامات الدولية، كما أن المحاكم الخاصة بدارفور، التي أُنشئت عام 2005 لمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطرة، لم تحقق العدالة الفعالة بسبب التدخل السياسي وغياب الاستقلال القضائي.
أما في مصر، فلم تقم الدولة بدمج التزاماتها الدولية في القوانين المحلية بما يكفي، حيث لا يجرّم القانون المصري الإخفاء القسري بشكل صريح، فضلًا عن عدم وجود آليات واضحة لمقاضاة مرتكبي هذه الجريمة بموجب الولاية القضائية العالمية.
وأشارت اللجنة إلى أن القضاء المصري، المتأثر بالسلطة التنفيذية، لا يبدي رغبة حقيقية في ملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم، ما يكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.
ضحايا بلا حماية ومنظمات حقوقية مهددة
يشير التقرير إلى أن غياب الآليات التي تضمن حماية الضحايا والشهود يجعل من الصعب متابعة القضايا أو الإدلاء بالشهادات.
ففي كلٍّ من مصر والسودان، يتعرض الضحايا والمدافعون عن حقوق الإنسان لمخاطر جسيمة، تشمل الاعتقالات التعسفية والمضايقات والتشهير الإعلامي، ما يحدّ من قدرتهم على التعاون مع المحاكم الدولية أو تقديم الأدلة اللازمة لملاحقة الجناة.
وقد استشهد التقرير بقضية الناشط المصري إبراهيم متولي، الذي اعتُقل بسبب عمله في الدفاع عن ضحايا الإخفاء القسري، كنموذج على القمع الممنهج الذي يواجهه المدافعون عن حقوق الإنسان.
الإفلات من العقاب.. مشكلة متجذرة
تؤكد لجنة العدالة أن الإفلات الممنهج من العقاب يشكّل أحد العوائق الرئيسية أمام تحقيق العدالة، خصوصًا في ظل غياب الإرادة السياسية لإنهاء هذه الانتهاكات.
ففي مصر، تُستخدم قوانين الطوارئ والتشريعات المناهضة للإرهاب كوسيلة لحماية الجناة بدلًا من محاسبتهم، مما يزيد من صعوبة ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات.
أما في السودان، فإن النزاع المستمر، كما في دارفور، يعزز مناخ الإفلات من العقاب، حيث لم تتم محاسبة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة التي وقعت في الإقليم.
المجتمع الدولي ودوره في تعزيز العدالة
على الرغم من التحديات، شددت لجنة العدالة على أن تطبيق الولاية القضائية العالمية يظلّ أداة رئيسية لمكافحة الإفلات من العقاب.
واستشهدت اللجنة بعدة نماذج دولية ناجحة، مثل محاكمة الضباط الأرجنتينيين في إسبانيا عام 2007، والإجراءات القضائية التي استهدفت المسؤولين عن الجرائم في عهد أوغوستو بينوشيه في تشيلي، مؤكدة أن العدالة ممكنة حتى في الحالات التي تبدو مستعصية.
ودعت اللجنة المجتمع الدولي إلى تعزيز استخدام الولاية القضائية العالمية لمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطرة في مصر والسودان، من خلال تشجيع الدول التي تتيح قوانينها ذلك على فتح تحقيقات جادة في هذه القضايا، وضمان تقديم الدعم اللازم للضحايا والشهود.

