بعد أكثر من أربعة عقود على توقيعها، لا تزال اتفاقية كامب ديفيد تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد السياسي في الشرق الأوسط، وبالأخص على القضية الفلسطينية.
فبينما كانت الاتفاقية تُروج كخطوة نحو السلام، يكشف الواقع أن ما لم يُكتب في بنودها الرسمية كان أكثر خطورة مما تم الإعلان عنه.
وفقًا لمذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، لم تكن كامب ديفيد مجرد اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، بل تضمنت تفاهمات شفهية غير مسجلة بين أنور السادات ومناحيم بيجن، كان أبرزها الاتفاق على أن الحكم الذاتي للفلسطينيين لن يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. هذا البند غير الرسمي، كما يبدو اليوم، أصبح القاعدة التي استندت إليها السياسة الإسرائيلية في تصفية القضية الفلسطينية.
تأثير التفاهمات غير المعلنة
اليوم، بات الحديث عن دولة فلسطينية مرفوضًا تمامًا في الأوساط السياسية الإسرائيلية، بل وصل الأمر إلى اقتراحات بإقامة دولة فلسطينية في السعودية، وفقًا لما كشفته تقارير إعلامية مؤخرًا. ولم يقتصر الأمر على رفض الدولة الفلسطينية، بل تصاعدت الدعوات داخل إسرائيل إلى التوسع الجغرافي، كما عبر عن ذلك المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي زعم أن الحدود الحقيقية لإسرائيل تمتد إلى سوريا والعراق ومصر والأردن والسعودية.
من كامب ديفيد إلى أوسلو.. مسار التنازلات
لم تكن كامب ديفيد الحلقة الوحيدة في سلسلة الاتفاقات التي أدت إلى تراجع الموقف العربي والفلسطيني، فقد جاءت اتفاقية أوسلو عام 1993 لتُعيد إنتاج ذات السيناريو. وعلى الرغم من أن أوسلو لم تتضمن ملاحق سرية موثقة، إلا أنها كانت مليئة بالتفاصيل المسكوت عنها، والتي استُخدمت لاحقًا لصالح إسرائيل. لهذا السبب، وصف المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد الاتفاقية بأنها "استسلام"، لأنها لم تضمن حقوقًا واضحة للفلسطينيين، بينما منحت إسرائيل مزايا استراتيجية خفية.
تحوّل الخطاب السياسي العربي
لم تقتصر تأثيرات هذه الاتفاقات على الجانب الإسرائيلي فقط، بل أحدثت تحولًا جذريًا في الخطاب السياسي العربي. فبعد أن كانت إسرائيل تُوصف في الأدبيات السياسية بـ**"الكيان المزعوم"**، بات الفلسطينيون أنفسهم يُعاملون وكأنهم "كيان مزعوم"، فيما أصبح العرب في نظر الدعاية الإسرائيلية مجرد هوامش تدور حول المركز الإسرائيلي.
ترافق ذلك مع تراجع فكرة مقاومة الاحتلال في الخطاب الرسمي العربي، بل وصل الأمر إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ضرورة إنهاء وجود المقاومة في غزة، باتت تتشابه مع تصريحات بعض السياسيين العرب الذين يعارضون أي دور عسكري أو إداري للفصائل الفلسطينية المسلحة.
نتنياهو.. الثقة المتزايدة
في ظل هذا الواقع، لا يبدو مستغربًا أن يعلن نتنياهو بكل ثقة: "أصدقاؤنا في الدول العربية والعالم يعرفون أنه إذا لم ننتصر، فسيأتي دورهم". تصريح يعكس ليس فقط تراجع الموقف العربي، بل أيضًا مدى نجاح إسرائيل في فرض رؤيتها للمنطقة، وهي رؤية بُنيت على التفاهمات السرية التي بدأت من كامب ديفيد ولم تنتهِ عند أوسلو.
https://www.middleeastmonitor.com/20250228-what-did-camp-david-do-to-us/