إذا طُلب منك تحديد المحطات الكبرى التي شكلت الشرق الأوسط خلال القرن الماضي، فمن المحتمل أن تشمل الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، نكبة فلسطين (1948)، الثورة الإسلامية في إيران (1979)، غزو العراق للكويت (1990)، والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق (2001 و2003).
أنهت الحرب العالمية الأولى عصر الإمبراطوريات، مما أدى إلى ظهور الشرق الأوسط الحديث القائم على الدول القومية.
أما النكبة، فقد أسست لتهديد وجودي للعالم العربي من خلال إنشاء الكيان الصهيوني، وأطلقت سلسلة من الانقلابات العسكرية والثورات الاجتماعية العربية الساعية للتحرر من الاحتلال الأجنبي.
كما أدت إلى تراجع التجربة الليبرالية العربية الناشئة وأسست للحروب الإسرائيلية التي بلغت ذروتها في العدوان على غزة (2023-2025).
أما الثورة الإيرانية عام 1979، فقد أدت إلى تأسيس الجمهورية الإسلامية التي سعت إلى تصدير ثورتها، لكن الحرب مع العراق (1980-1988) حدّت من طموحاتها الإقليمية.
ومع ذلك، فقد مهّدت نتائج الحرب لغزو الكويت (1990)، مما أدى إلى تآكل الأمن القومي العربي، وساهم في إفشال محاولات السلام الفلسطيني، كما وفر مبررات لتنظيم القاعدة لتنفيذ هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي استجابت لها الولايات المتحدة بغزو أفغانستان والعراق، ما أدى إلى بروز نفوذ إيراني امتد من غرب أفغانستان إلى البحر المتوسط.
لما يقرب من عقدين (2003-2023)، سيطرت إيران فعليًا على الشرق الأوسط وورثت الدور العربي في القضية الفلسطينية.
إلا أن هذا النفوذ بدأ بالتراجع بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، التي هيأت الظروف لسقوط نظام الأسد في سوريا.
يعتبر سقوط الأسد أبرز تحول في المنطقة منذ الغزو الأمريكي للعراق، إذ يمثل نهاية أطول تحالف ثنائي في الشرق الأوسط خلال نصف القرن الماضي.
مع سقوط الأسد، خسرت إيران أربعة عقود من العمل على مشروعها للوصول إلى المتوسط، بتكلفة تقارب 60 مليار دولار خلال العقد الأخير فقط.
ومع انهيار عقيدتها الدفاعية المتقدمة، وجدت طهران نفسها أمام خيارين: التصعيد النووي، أو قبول الخسارة والانسحاب.
في مقابل تراجع إيران، برزت أدوار كل من السعودية وتركيا. فمن الناحية النظرية، لم تعد السعودية بحاجة ماسة إلى الضمانات الأمنية الأمريكية، أو إلى تطبيع العلاقات مع الاحتلال الصهيوني كوسيلة للحصول عليها، خاصة إذا أصبح النظام الجديد في دمشق حليفًا لها. وهذا يضع الرياض في موقع جيوسياسي مريح.
أما تركيا، فمن المرجح أن تصبح القوة الإقليمية الرئيسية بعد سقوط الأسد وتراجع النفوذ الإيراني.
وهذا سيعزز موقعها التفاوضي في علاقاتها مع روسيا والغرب والاحتلال الصهيوني والعالم العربي.
وإذا تمكنت أنقرة من ترسيم حدودها البحرية مع سوريا، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية وتوازن القوى.
ومن المحتمل أن يؤثر هذا التحول على تحالف قبرص-مصر-اليونان، كما قد يعيد النظر في مستقبل منتدى غاز شرق المتوسط.
بالإضافة إلى ذلك، قد يسهم سقوط الأسد في تغيير خريطة طرق الطاقة والمعابر الاقتصادية في المنطقة، مثل وقف مشروع خط أنابيب الصداقة لنقل الغاز الإيراني عبر العراق إلى سوريا، وفتح الطريق أمام مشروع "طريق التنمية" بين تركيا والخليج، رغم العقبات التي يواجهها بسبب عدم حماس إيران وحلفائها في العراق.
كما قد تتم إعادة النظر في مشروع الممر الاقتصادي الهند-الشرق الأوسط-أوروبا.
على صعيد آخر، أدى انهيار النظام السوري إلى إنهاء الدور الإقليمي لحزب الله، حيث فقد مصدر إمداداته الأساسي عبر سوريا، وهو ما انعكس في انتخاب رئيس جديد للبنان وتشكيل حكومة نواف سلام.
كما سيكون لهذا السقوط تداعيات كبيرة على الموقف الروسي في شرق المتوسط، سواء في مواجهته مع تركيا وحلف الناتو، أو على مكانته كقوة مؤثرة في النظام الدولي، بما في ذلك في أفريقيا.
لا تزال فصول القصة السورية تُكتب، لكن من الواضح أن تداعياتها تتجاوز ما توصلت إليه معظم التفسيرات حتى الآن.
https://www.middleeastmonitor.com/20250220-how-did-the-fall-of-assad-change-the-face-of-the-middle-east/