حرب الاحتلال الصهيوني على غزة أدت إلى تدمير الأوهام المتبقية حول قوة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.
كشفت دراسة بعنوان "المناظرة حول التفوق الأمريكي في الشرق الأوسط" عن مدى تأثير الإبادة الجماعية التي تمولها الولايات المتحدة على تسريع التحولات في ميزان القوى العالمي، مما كشف حدود نفوذ واشنطن وترك فراغًا تملأه قوى أخرى.
على مدار 16 شهرًا، تعرضت تحالفات الولايات المتحدة لضغوط هائلة، مما كشف عن أزمة في النظام الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية والذي مكن أمريكا من فرض سيطرتها على مستقبل المنطقة.
الدراسة تشير إلى أن التفوق الأمريكي في الشرق الأوسط لم يكن يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل كان قائمًا أيضًا على مزيج من الإكراه والضغط الاقتصادي، إلى جانب الوهم بنظام دولي ليبرالي قائم على القواعد والمؤسسات المتعددة الأطراف.
ولكن العدوان الصهيوني على غزة كشف هذه الواجهة وأبرز معيارًا مزدوجًا فاضحًا، حيث وجدت الولايات المتحدة نفسها تدافع عن الاحتلال الصهيوني، رغم أن أفعالها تنتهك المبادئ التي تدعي الدفاع عنها، مما جعل واشنطن معزولة سياسيًا وأخلاقيًا.
وحكمت محكمة العدل الدولية أن أفعال الاحتلال الصهيوني قد تشكل إبادة جماعية، مما وضع الولايات المتحدة في موقف صعب، حيث قامت بإعاقة قرارات وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة واستمرت في تقديم الدعم العسكري للاحتلال الصهيوني.
التحالفات الأمريكية التقليدية في العالم العربي مع السعودية ومصر والأردن والإمارات، ظلت تدعم الولايات المتحدة مقابل ضمانات أمنية.
لكن الهجوم على غزة أشعل غضبًا عامًا في العالم العربي لم يره منذ فترة الربيع العربي، مما دفع حتى الحكومات الأكثر دعمًا لأمريكا إلى إعادة النظر في مواقفها.
الأردن دعمت القضية أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، بينما أوقفت السعودية خطط التطبيع مع إسرائيل.
في هذا السياق، تفقد الولايات المتحدة مصداقيتها كوسيط إقليمي قوي، ما دفع بعض الدول العربية إلى إعادة هيكلة تحالفاتها والبحث عن شركاء جدد، بما في ذلك الصين وروسيا.
أحد النقاط الأكثر لفتًا في الدراسة هو تحول الدعم الأمريكي لإسرائيل من اعتبارات استراتيجية إلى مبدأ أيديولوجي، وهو ما لم يعد يخدم حتى مصلحة إسرائيل نفسها.
فعلى الرغم من أن إسرائيل تعتبر الهجوم على غزة صراعًا وجوديًا، إلا أن الحرب خلقت حالة من العزلة الدولية لإسرائيل، وزادت من قوة حركات المقاومة في المنطقة وزادت من حالة عدم الاستقرار.
وفي الوقت نفسه، بدأ الرأي العام الأوروبي في التحول بعد مشاهدة الفظائع في غزة، حيث أصبح العديد من القادة الأوروبيين أكثر انتقادًا لإسرائيل، ما يضعف التحالف التقليدي بين الولايات المتحدة وأوروبا.
كما أن فشل الولايات المتحدة في تحقيق وقف إطلاق النار بعد شهور من الضغوط يبرز حدود قدرتها على التأثير ليس فقط في إسرائيل، بل في حلفائها التقليديين أيضًا.
هذا الفشل يشير إلى أن واشنطن لم تعد قادرة على الاعتماد على الدعم الأوروبي التلقائي، وقد أظهرت إدارة بايدن عجزًا في التعامل مع الأزمة.
الدراسة تشير إلى أن هذه الأحداث لن تقتصر على تداعيات دبلوماسية فورية، بل ستعيد تشكيل النظام العالمي بأسره.
هيمنة الدولار الأمريكي ومؤسسات المال التي تقودها الولايات المتحدة باتت تحت التهديد، مع تحركات من الدول لتقليل اعتمادها على واشنطن اقتصاديًا.
تحالف "البريكس" الذي يضم الصين وروسيا وبعض دول الجنوب العالمي، بدأ يكتسب زخماً، حيث أبدت دول عربية اهتمامًا بتوثيق علاقاتها مع هذه القوى.
وهذا يشير إلى أن التحالفات العالمية ستتغير إذا استمرت الولايات المتحدة في دعم إسرائيل بشكل غير مشروط.
ورغم أن الهيمنة الأمريكية لم تنهار بشكل مفاجئ، فإن تآكل قوتها أصبح واضحًا، حيث أصبحت الولايات المتحدة غير قادرة على فرض إرادتها كما كانت تفعل في الماضي.
الدول العربية التي كانت في يوم من الأيام جزءًا من الهيكل الأمني الأمريكي بدأت في البحث عن شركاء جدد، حيث أصبح التعاون مع الصين وروسيا وإيران أمرًا مرغوبًا بشكل متزايد.
الاتفاقات الأمنية التي كانت تدعم الهيمنة الأمريكية في المنطقة بدأت تتعرض لإعادة التفاوض، مع صعوبة واشنطن في مواكبة هذه التحولات.
أما فيما يخص "اتفاقيات أبراهام"، التي كانت تهدف إلى دمج إسرائيل في النظام الإقليمي المدعوم من الولايات المتحدة، فقد فشلت في الصمود أمام تداعيات الهجوم على غزة.
البلدان العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، مثل الإمارات والبحرين، اضطرت إلى التراجع علنًا عن مواقفها، بينما السعودية، التي كانت هدفًا رئيسيًا للجهود الأمريكية في التطبيع، ابتعدت بشكل حاسم عن إسرائيل.
الدراسة تشير أيضًا إلى التأثير الداخلي على إسرائيل، حيث استخدم نتنياهو الأزمة لتعزيز سلطته من خلال إجراءات سلطوية، وهو ما يهدد الديمقراطية الإسرائيلية.
الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة قادت إسرائيل نحو مزيد من الاستبداد، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى ديمقراطية الدولة، خاصة بعد أن اعتبر الكثيرون إسرائيل "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
فيما يخص الفلسطينيين، تبين الدراسة أن الهجوم المستمر على غزة لم يؤدِ فقط إلى زيادة معاناتهم، بل كشف أيضًا عن فشل كامل لجهود السلام المدعومة من الولايات المتحدة.
السلطة الفلسطينية، التي كانت تُعتبر الآلية المفضلة لإدارة الاحتلال، فقدت مصداقيتها بالكامل، مما يبرز فشل عملية السلام بقيادة الولايات المتحدة.
العالم الذي يظهر بعد إبادة غزة هو عالم لم يعد فيه التفوق الأمريكي مضمونًا.
القوى الإقليمية بدأت في تحدي أهداف واشنطن، ما يوضح أن النظام العالمي الذي كان يدور حول الهيمنة الأمريكية قد بدأ في التحول، ليس من خلال تقلبات كبيرة، بل من خلال تآكل تدريجي في النفوذ والتحالفات.
https://www.middleeastmonitor.com/20250214-the-gaza-genocide-and-the-unravelling-of-us-hegemony/