تشهد مصر موجة متصاعدة من العنف المسلح والجرائم الوحشية التي تثير قلقًا متزايدًا في الأوساط المجتمعية.

وفي قلب هذه الأزمة، يأتي مركز دشنا بمحافظة قنا كنموذج صارخ لفوضى انتشار الأسلحة النارية وما ترتب عليها من جرائم متكررة تهدد أمن المواطنين.

ضعف القانون، وتفشي الفقر، وانشغال الأجهزة الأمنية بمهام أخرى، كلها عوامل أسهمت في تفاقم هذه الظاهرة، التي تنذر بعواقب وخيمة على الاستقرار الاجتماعي.
 

فوضى السلاح تفتك بالمجتمع

في واحدة من الجرائم المروعة التي شهدها مركز دشنا، لقي شاب مصرعه بطلقات نارية خلال مشاجرة مسلحة نشبت بين عائلتين بسبب نزاع على حد فاصل لقطعتي أرض زراعية بقرية أبودياب غرب.

تحولت المشاجرة إلى تبادل لإطلاق النار، مما أسفر عن مقتل الشاب "د.ه"، البالغ من العمر 35 عامًا، والذي فارق الحياة متأثرًا بجراحه.

وفي واقعة أخرى تعكس خطورة انتشار السلاح دون ضوابط، أصيبت شقيقتان بطلقات نارية داخل منزلهما في قرية فاو قبلي عندما كان والدهما ينظف سلاحه عن طريق الخطأ.

الحادث كشف مجددًا عن مخاطر امتلاك الأسلحة داخل المنازل، مما يعرض الأطفال وأفراد الأسرة لخطر الموت أو الإصابة البالغة.
 

تصاعد معدلات الجريمة في مصر

لم تعد هذه الحوادث الفردية استثناءً، بل أصبحت جزءًا من مشهد متكرر في مختلف المحافظات المصرية.

ووفقًا لمؤشر قياس الجريمة الصادر عن قاعدة البيانات العالمية "نامبيو"، سجلت مصر 47.3 نقطة في عام 2024، لتحتل المركز السادس عربيًا والثامن عشر إفريقيًا من حيث معدلات الجريمة.

تصاعد العنف المسلح والقتل الوحشي يعكس أزمة اجتماعية متجذرة، حيث لم تعد النزاعات تقتصر على الشجار اللفظي أو المشاحنات البسيطة، بل تحولت إلى معارك مسلحة تحصد الأرواح بدم بارد.
 

نماذج لحوادث عنف صادمة

في مناطق مختلفة من البلاد، تكررت جرائم القتل والاعتداءات البشعة. من بينها حادثة وقعت في الأقصر، حيث أقدم رجل على ذبح جاره والتجول في الشارع حاملاً رأسه.

وفي محافظة الفيوم، قام أحد المواطنين بإطلاق النار داخل أحد البنوك، مما أسفر عن مقتل عقيد شرطة وإصابة ثلاثة آخرين.

كذلك، في القاهرة، تعرض أمين شرطة للقتل على يد متسول بعد مشادة بسيطة.

كما شهدت الجيزة حادثة أخرى مثيرة للرعب، حيث احتجزت عائلة ابنتها لست سنوات بالسلاسل داخل غرفة مظلمة.
 

الأسباب الاقتصادية والاجتماعية وراء العنف

يرى خبراء في علم الاجتماع أن العنف المتزايد في مصر مرتبط بشكل مباشر بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وتراجع المستوى المعيشي، وتفاقم البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، جميعها عوامل أسهمت في انتشار حالة من الإحباط والغضب العام، مما دفع البعض إلى استخدام العنف كوسيلة للتعبير عن الضغوط النفسية والمادية.

وأشارت دراسات إلى أن المواطنين المصريين يعانون من صعوبة التكيف مع المتغيرات الاقتصادية السريعة، حيث أصبح الانتماء للطبقة المتوسطة أمرًا غير واضح، مما زاد من التوتر المجتمعي وغياب الشعور بالأمان.

في ظل هذه الظروف، أصبحت الخلافات العائلية تتطور بسرعة إلى اعتداءات جسدية، ولم تعد النزاعات المالية تقتصر على المحاكم، بل تحسم بالقوة والعنف.
 

ضعف القانون وتأخر العدالة

إحدى المشكلات الكبرى التي تفاقم أزمة العنف في مصر هي بطء العدالة الجنائية وضعف تنفيذ القانون.

ووفقًا لتصنيف "مشروع العدالة العالمية"، تحتل مصر المرتبة 136 من أصل 142 دولة في مؤشر سيادة القانون.

تأخر البت في القضايا، وارتفاع رسوم التقاضي، وزيادة حالات الإفلات من العقاب، كل ذلك جعل البعض يلجأ إلى العنف والبلطجة كوسيلة لحسم النزاعات بدلاً من اللجوء إلى القضاء.
 

الانشغال الأمني وتحديات ضبط الشارع

من العوامل التي ساهمت في انتشار الجريمة، انشغال الأجهزة الأمنية بمواجهة الإرهاب والمخاطر السياسية، ما أدى إلى تراجع مستوى الأمن الداخلي في بعض المناطق. وتسببت قلة الموارد وتزايد أعداد القضايا الجنائية في إضعاف قدرة الشرطة على التعامل مع كل الحوادث بالكفاءة المطلوبة.

كما أن ضعف الرقابة على انتشار الأسلحة، جعل من السهل امتلاك السلاح واستخدامه دون ضوابط.