في قلب القاهرة الصاخب، تعج المقاهي بالفلسطينيين الذين تمكنوا من الفرار من غزة في بداية الحرب الإسرائيلية المدمرة على حماس. وعلى الرغم من أنهم وجدوا الأمان، إلا أنهم ما زالوا قلقين بشأن أحبائهم في الوطن.

في الأيام القليلة الماضية، عقد مسؤولو المخابرات المصرية اجتماعات مع قادة حماس لتعزيز وقف إطلاق النار الهش. عشرات الملايين من المصريين، الذين يتابعون التحديثات الإخبارية المستمرة، يشعرون بالفعل بأن بلادهم متورطة بشكل وثيق في الحرب على غزة.

لكن الآن، مع رؤية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المفاجئة لما بعد الحرب، التي تقترح تهجير مليوني فلسطيني إلى "قطعة أرض" في مصر والأردن حتى تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على القطاع، يشعر المصريون بتهديد وجودي.

المصريون الذين توافدوا إلى صلاة الجمعة يقولون إن فكرة ترامب بحاجة إلى إعادة نظر.

يقول عبده، وهو مهندس مدني: "سننقل جبهة المعركة من أرضهم إلى أرضنا! الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية أعداء أبديون، ولا يوجد سلام بينهما. هذا يعني أننا نعطي إسرائيل ذريعة لمهاجمتهم على أرضنا باسم الدفاع عن النفس".

ويؤكد آخرون أن فكرة التهجير الدائم للفلسطينيين تعني تصفية القضية الفلسطينية، لكنها أيضًا ستؤدي إلى انتشار التطرف وعدم الاستقرار في مصر.

 

مصر تلوّح بورقة معاهدة السلام

تلوّح حكومة السيسي بتهديد تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل، والتي كانت تُعتبر منذ زمن طويل حجر الأساس للاستقرار والنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.

منذ أن توسطت واشنطن في اتفاقية السلام التاريخية عام 1979، اعتُبرت القاهرة حليفًا وثيقًا، وكانت واحدة من أكبر المستفيدين من المساعدات العسكرية الأمريكية، التي تم الاتفاق عليها كجزء من المعاهدة. في العام الماضي، حصلت مصر على 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية.

ومع ذلك، على برامج "التوك شو" المصرية المؤثرة، يرتفع صوت الانتقادات ضد أمريكا. يقول الإعلامي أحمد موسى، وهو مقدم برامج شهير على قناة خاصة: "المساعدات العسكرية الأمريكية لا تشكل أي قيمة لمصر"، مؤكدًا أن المصريين يرفضون "الضغط" أو "الابتزاز".

 

استراتيجية مختلفة عن الأردن

يتبنى السيسي نهجًا مختلفًا عن ملك الأردن عبد الله الثاني، الذي التقى مؤخرًا بترامب في البيت الأبيض. هناك، استخدم الملك نبرة تصالحية ووعد باستقبال أطفال غزة طب المرضى، لكنه لم يتنازل عن مسألة توطين الفلسطينيين.

وبحسب التقارير المصرية، فإن السيسي يرفض زيارة واشنطن طالما أن مسألة التهجير مطروحة على الطاولة، بينما تؤكد الولايات المتحدة أنه لم يكن هناك أي زيارة مجدولة.

لقد أثرت الحرب في غزة بشدة على الاقتصاد المصري، حيث تقول القاهرة إنها خسرت 8 مليارات دولار من عائدات قناة السويس بسبب الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن في البحر الأحمر، ردًا على الهجوم الإسرائيلي على غزة.

 

خطة مصرية بديلة لإعادة إعمار غزة

الآن، تأمل مصر في تجنب التهجير الجماعي للفلسطينيين وتعزيز اقتصادها من خلال طرح "خطة رئيسية" لإعادة إعمار غزة.

ظهر رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، المقرب من السيسي، على شاشات التلفزيون ليقدم اقتراحًا بقيمة 20 مليار دولار (16 مليار جنيه إسترليني، 19 مليار يورو) لبناء 200 ألف منزل في غزة خلال ثلاث سنوات، دون الحاجة إلى تهجير الفلسطينيين.

يقول البروفيسور مصطفى كامل السيد، من جامعة القاهرة، إن الخطة قابلة للتنفيذ: "لا أعتقد أنه سيكون من المستحيل على المصريين إيجاد مناطق آمنة يمكن أن ينتقل إليها الفلسطينيون مؤقتًا أثناء إعادة إعمار منطقتهم من غزة".

هناك العديد من "الأفكار المبتكرة" التي تُطرح، بما في ذلك استخدام أنقاض المباني المدمرة كمواد بناء لإعادة الإعمار.

 

هل ستوافق إسرائيل؟

قبل زيارته للشرق الأوسط، أقرّ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن الدول العربية "لا تحب" خطة ترامب بشأن غزة. وأضاف: "إذا كان لدى أي شخص خطة أفضل - ونأمل أن يكون هناك - فهذا هو الوقت المناسب لطرحها".

من المتوقع أن يلتقي بعض القادة العرب قريبًا في السعودية، حيث دعت مصر إلى قمة عربية في القاهرة في 27 فبراير لمناقشة "رؤية شاملة" بديلة لغزة.

يُعتقد أن المقترحات تشمل صندوقًا تموله دول الخليج للمساعدة في تحمل تكلفة إعادة الإعمار، إضافة إلى صفقة لاستبعاد حماس من أي دور مستقبلي. فقد أوضحت إسرائيل والولايات المتحدة أنه لا مكان لحماس، التي تحكم غزة منذ عام 2007، في أي ترتيبات مستقبلية.

تتضمن الخطة المصرية تدريب قوة أمنية جديدة وتحديد شخصيات فلسطينية تكنوقراطية - غير منتمية لأي فصيل سياسي - لتولي مشاريع الإنعاش المبكرة.

لكن إبرام صفقة ترضي الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة سيكون أمرًا صعبًا.

في السابق، تصور وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن أن القوى العالمية والأمم المتحدة ستلعب دورًا مؤقتًا في غزة، إلى أن تتمكن السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، من تولي المسؤولية. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عارض أي مشاركة للسلطة الفلسطينية، كجزء من رفضه لفكرة إقامة دولة فلسطينية.

 

مصر ترفض التهجير وتتمسك بحل الدولتين

تظل مصر، إلى جانب الدول العربية الأخرى، ملتزمة بصيغة السلام الدولية طويلة الأمد، المتمثلة في حل الدولتين، الذي ينص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. وقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية أنها تريد العمل مع إدارة ترامب "لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة من خلال التوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية".

 

المصريون يحذرون من تكرار أخطاء الماضي

خارج أحد المساجد في القاهرة، يشير بعض المصلين بهدوء إلى أن بلادهم يجب أن تتجنب تكرار أخطاء الماضي.

تقول مصر بالفعل إنها تستضيف أكثر من 100 ألف فلسطيني من غزة. ومع احتمال استقبال أعداد أكبر، يخشى البعض أن تصبح البلاد قاعدة لحركة حماس، التي تُعتبر فرعًا أيديولوجيًا لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. ويحذرون من أن ذلك قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي.

في نهاية المطاف، هناك دعم قوي لموقف مصر الحازم في مواجهة الولايات المتحدة.

https://www.bbc.com/news/articles/cy4m3wx9w04o