قال الصحفي والباحث عبدالله ضيف إن الوجه الآخر لقرار تأهيل الموظفين المدنيين في القضاء والأوقاف والتربية والتعليم والسلك الدبلوماسي في دورات عسكرية ليس فقط إثبات السطوة العسكرية على الحياة المدنية في مصر؛ بل أيضًا إشغال الجيش بمهام بعيدة عن مهامه الأصلية.
وأكد أن هدف السيسي من إدخال القوات المسلحة في كل دواخل الجوانب المدنية هو "إشغال القوات المسلحة بعيدًا عن مجالها الأساسي الموجود فى الدستور، مما يهدد بإضعاف قدراتها وقوتها كما حدث فى فترة الستينيات".
وشدد على أن "معاندة مطالب الشعب من السيسي بأن تترك القوات المسلحة العيش لخبازه وكفاية خراب لمصر. وأن المعارك الحربية شيء والمعارك السياسية والاقتصادية شيء آخر يترك للخبراء المختصين فيه من القطاع المدنى." مقترحًا أنه "كان أجدى تكثيف اهتمام القوات المسلحة بالصناعات الحربية المتخلفة فيها مصر عن إسرائيل وتنمية قدرات الجيش.".
تعديلات 2019 بالدستور
ومن آخر التعديلات التي لفت لها الباحث هو ما استحدثه مجلس وزراء حكومة السيسى في 22 إبريل من عام 2023، بشرط مفاجئ يُلزم جميع المعينين في كافة قطاعات وجهات وهيئات الدولة بالحصول على دورة تأهيل في الأكاديمية العسكرية بالقاهرة مدة ستة أشهر واجتيازها كشرط للتعيين، بما في ذلك المعينين الجدد في الجهات والهيئات القضائية المختلفة، سواء كانت نيابة عامة أو مجلس الدولة أو نيابة إدارية أو هيئة قضايا الدولة، على وهم عسكرة عقول كافة المعينين الجدد في كافة قطاعات وجهات وهيئات الدولة.
وفي تحليل بعنوان "اسس عسكرة مصر" نشره عبر مدونته، أشار إلى المادة العسكرية الخطيرة فى دستور السيسى 2019 التى عسكر بها السيسى مصر، وهي التعديلات التى تمت بحسب ما قال فى 6 قوانين عسكرية عام 2020 تنفيذًا للمادة العسكرية الخطيرة فى دستور السيسى 2019 ونصها: "قرار حكومة السيسى الذي يُلزم جميع المعينين في كافة قطاعات وجهات وهيئات الدولة بالحصول على دورة تأهيل في الأكاديمية العسكرية بالقاهرة مدة ستة أشهر واجتيازها كشرط للتعيين".
وتستطرد المادة لتضع من مهام الدورات التأهيلية للتعيين هو ''صون الدستور وحماية الديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها''.
وهم عسكرة العقول
- وأضاف أن عبدالفتاح السيسي تمكن من عسكرة مصر عبر أكثر من طريق، ومنه طريق الدستور من خلال مادة عسكرية فى ''دستور السيسى''. تجعل المؤسسة العسكرية بمثابة وصيٍّ على مصر وشعب مصر، ومؤسسة أعلى من باقى مؤسسات الدولة، ومرشدًا عسكريًا وفكريًا للشعب، وحاميًا لدستور العسكر الذى فرضه السيسي على شعب مصر مشوب بالبطلان.
- ولفت إلى أن من الطرق الأخرى لتكريس العسكرة، مادة منع رئيس الجمهورية من تعيين وزير جديد للدفاع إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الانتقالية المؤقتة فى دستور 2014 وجعلها السيسى مادة أبدية.
- وكرس السيسى مادة محاكمة المدنيين فى القضايا ذات الشأن العسكري المؤقتة فى دستور 2014 بدلاً من إلغائها كما كان مقررًا.
- واستحدث السيسى مادة عسكرية دستورية جديدة أدت الى توسيع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية عن طريق محاكمة المتظاهرين أمام أى مبنى حكومي يحرسه عسكري جيش أمام محاكمة عسكرية.
- أجرى السيسي تعديلات فى قانون الارهاب رغم كل مساوئه، وأضاف صلاحيات قانون الطوارئ إليه، ومنح الجيش سلطة الضبطية القضائية ضد المدنيين فى القضايا والمخالفات المدنية والتحقيق معهم عسكريًا.
- وأضاف أن القوانين الستة العسكرية التى استحدثها برلمان السيسى بالجملة دفعة واحدة خلال حوالى ساعة بجلسة الإثنين 6 يوليو 2020. لتعميق عسكرة مدنية الدولة فى مصر.
وهي: القانون رقم 19 لسنة 2014 بإنشاء مجلس الأمن القومي.
والقانون رقم 232 لسنة 1959 فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة.
والقانون رقم 4 لسنة 1968 بشأن القيادة والسيطرة على شئون الدفاع عن الدولة وعلى القوات المسلحة.
والقانون رقم 20 لسنة 2014 بإنشاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وعدم جواز الترشح للضباط سواء الموجودين بالخدمة أو من انتهت خدمتهم بالقوات المسلحة لانتخابات رئاسة الجمهورية أو المجالس النيابية أو المحلية إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
والقانون رقم 55 لسنة 1968 بشأن منظمات الدفاع الشعبى.
والقانون رقم 46 لسنة 1973 بشأن التربية العسكرية بمرحلتي التعليم الثانوي والعالي. بأن يكون لكل محافظة مستشار عسكرى. وعدد كافٍ من المساعدين يصدر بتعيينهم وتحديد شروط شغل الوظيفة قرار من وزير الدفاع.
قانون القيادة والسيطرة
ووصف الباحث أن قانون القيادة والسيطرة فيه جاءت تعديلات المادة الثانية مكررة باختصاصات القوات المسلحة فيما أسموه (صون الدستور وحماية الديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها.. إلخ ولها في سبيل القيام بمهمتها تلك الحق في إبداء الرأي في طلب التعديلات الدستورية وكافة القوانين المتعلقة بالحقوق السياسية وانتخابات رئاسة الجمهورية والمجالس النيابية والمحلية، ومشروعات القوانين المرتبطة بالأمن القومي".
تشكيل مجلس أمن قومي
ورأى أن العسكرة امتدت لتشكيل مشترك لمجلسي الأمن القومي والأعلى للقوات المسلحة، أسندت له مهام واختصاصات وسلطات عسكرية واسعة لم ترد أيضًا في الدستور!.
وقلص عدد أعضاء المجلس العسكري ليصبح بخلاف وزير الدفاع 17 عضوًا بدلاً من 22 على الأقل مع تغيير جوهري في بنيته الداخلية.
وحجبت القرارات صلاحية وزير الدفاع في منح عضوية المجلس لمساعديه للتخصصات الفنية، في الوقت الذي قصر صلاحية الإضافة على رئيس الجمهورية!
ولم تكتف التعديلات بذلك بل ألغت الميزة الدستورية للمجلس العسكري بأخذ رأيه في تعيين وزير الدفاع لدورتين رئاسيتين ليصبح النص (الموافقة على تعيين وزير الدفاع وفقًا للقواعد والإجراءات التي يحددها رئيس الجمهورية)!.
ورأى الباحث أن تعديلات قانون الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة حرمت الضباط بالخدمة أو خارجها من الترشح لأي انتخابات رئاسية ونيابية ومحلية إلا بعد موافقة المجلس العسكري، وجعلت قراراته في هذا الشأن نهائية لا يجوز الطعن عليها في أي جهة قضائية سوي لجان الضباط بالجيش!
مجال الإعلام والمسلسلات
وأضاف لتلك العسكرة؛ دخول الجيش عبر المخابرات فى صناعة الإعلام والميلودراما وعدم الاكتفاء بتوجيهها من خلف الستار.
وأوضح أن القوات المسلحة دخلت أيضًا في منافسة مع القطاع الخاص والمدني في العديد من المشروعات الصناعية والإنشائية والزراعية والغذائية المدنية المهمةومنافستها، وعرض منتجاتها، والحصول على معظم المشروعات الكبرى فى مصر بالأمر المباشر بالظلم للقطاع الخاص والمدني.
ولفت إلى أن السيسي وضع أولى أولوياته عسكرة البلاد، بوهم أنه بذلك يقوم بإعادة زمن العسكرة والتوريث الذي أُرسي فى 23 يوليو 1952.
وبين أن اعتقاده هو "بغير ذلك لن يضمن تكريس تمديد وتوريث الحكم لنفسه، واصطناع المجالس والبرلمانات وحزب جستابو صورى خليفة للحزب الوطنى المنحل لتطويع البرلمان تحت سطوته، وإصدار الدساتير والقوانين التى تعجبه ورفض ما لا يعجبه. وتمكين نفسه من تعيين نائب رئيس الجمهورية بدلاً من جعل شغل المنصب بالانتخاب. وانتهاك السيسي استقلال المؤسسات والجمع بين السلطات بتعيين نفسه مع منصبه التنفيذي كرئيس الجمهورية رئيسًا أعلى لكل من المحكمة الدستورية العليا وجميع الهيئات القضائية، والنائب العام والجهات والأجهزة الرقابية والجامعات والكليات والصحافة والإعلام والقائم بتعيين قيادات ورؤساء كل تلك المؤسسات. وفشل السيسي حتى الآن فى تمرير مشروع قانون السيسي لتقليص صلاحيات الأزهر، وتعين نفسه مفتي الجمهورية الأعلى القائم على تعيين مفتي الجمهورية التنفيذي، وإعداد المفتين الجدد إليه".