نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا حول اقتراح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، معتبرة أن هذا الاقتراح يشكل تحديًا خطيرًا لاستقرار المنطقة، ويضع الدولتين العربيتين في موقف معقد.
فبينما تتمتع كل من مصر والأردن بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، فإن الاستجابة لهذا الاقتراح قد يؤدي إلى عواقب سياسية وأمنية خطيرة لا يمكن تجاهلها.
أبدت القاهرة وعمان رفضًا قاطعًا لمقترح ترامب، حيث اعتبرتاه انتهاكًا صارخًا لحقوق الفلسطينيين ومحاولة للقضاء على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ويرى قادة الدولتين أن أي تهجير جماعي لسكان غزة سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، مما قد يشعل موجة جديدة من العنف والتوترات.
من الجانب المصري، يثير وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في سيناء مخاوف أمنية كبيرة، إذ تخشى القاهرة من احتمال استخدام أراضيها كقاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل، وهو ما قد يدفع الأخيرة إلى تنفيذ ضربات عسكرية داخل الأراضي المصرية.
أما الأردن، فإن قبوله لهذا الاقتراح يعني استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير التوازن الديموجرافي داخل المملكة، خاصة أن أكثر من نصف سكان الأردن هم من أصول فلسطينية.
ويدرك العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى اضطرابات داخلية، خاصة في ظل المعارضة الشعبية الواسعة لأي مخطط يمكن أن يمهد لتصفية القضية الفلسطينية.
ورغم الرفض العربي الصريح، أصر ترامب على أن مصر والأردن قد تضطران في النهاية للموافقة على الاقتراح، مشيرًا إلى أن كلا البلدين يعتمدان بشكل كبير على المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية.
فمصر، التي تواجه أزمة اقتصادية خانقة، تعتمد على القروض الدولية، بما في ذلك الدعم المالي من صندوق النقد الدولي، الذي تسيطر الولايات المتحدة على جزء كبير من قراراته.
كذلك، تلعب المساعدات العسكرية الأمريكية دورًا محوريًا في استقرار الجيشين المصري والأردني، حيث تعتبر واشنطن أكبر مصدر للأسلحة والتدريب العسكري لهذين البلدين. لكن المحللين يشيرون إلى أن هذه المساعدات لا تمثل حافزًا كافيًا لدفع القاهرة وعمان إلى قبول اقتراح قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية حادة.
بالنسبة للديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي، يشكل هذا الاقتراح معضلة سياسية خطيرة. فمنذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، حاول السيسي كسب التأييد الشعبي عبر التنديد بالهجمات الإسرائيلية والتأكيد على دعمه للقضية الفلسطينية.
ومع ذلك، تصاعدت الانتقادات داخل مصر بسبب التقارير التي تشير إلى تعاون الحكومة المصرية مع إسرائيل في بعض الجوانب، مما أثار موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذا السياق، تدرك القيادة المصرية أن السماح بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي، خاصة أن المعارضة السياسية، سواء من الأحزاب أو الشخصيات المستقلة، تتخذ موقفًا موحدًا ضد أي محاولة لفرض هذا المخطط.
حتى الأصوات القريبة من النظام، مثل البرلماني مصطفى بكري، عبرت عن رفضها القاطع لهذا المقترح، مشددة على أن الجيش المصري لن يسمح بمثل هذه الخطوة تحت أي ظرف.
على الجانب الأردني، يشكل هذا المقترح تهديدًا مباشرًا لاستقرار المملكة. فقد ظلت عمان لعقود تحاول تحقيق توازن دقيق بين مواطنيها من أصول فلسطينية والأردنيين من أصول شرق أردنية، لضمان استقرار النظام الملكي.
ويخشى العاهل الأردني من أن قبول اللاجئين الفلسطينيين من غزة قد يشجع إسرائيل على تنفيذ مخططات مشابهة في الضفة الغربية، مما سيؤدي إلى موجة تهجير أخرى للفلسطينيين نحو الأردن.
وهذا السيناريو سيعزز المخاوف من أن تصبح المملكة "الوطن البديل" للفلسطينيين، وهو ما يرفضه الأردنيون بشدة، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي.
يحظى اقتراح ترامب بدعم كبير من الحكومة الإسرائيلية اليمينية، التي طالما روجت لفكرة "ترحيل الفلسطينيين" كحل للصراع.
ويعتقد اليمين الإسرائيلي المتطرف أن تهجير سكان غزة قد يكون خطوة أولى نحو تنفيذ مخططات مشابهة في الضفة الغربية، وهو ما قد يغير الخريطة الديمغرافية للمنطقة بشكل جذري.
لكن الخبراء يحذرون من أن تنفيذ هذا المخطط قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.
ففرض التهجير القسري قد يؤدي إلى تصعيد عسكري خطير، وقد يدفع الفصائل الفلسطينية إلى تنفيذ عمليات انتقامية داخل إسرائيل وخارجها، مما قد يجر المنطقة إلى صراع جديد أكثر دموية.
يرى بعض المحللين أن ترامب ربما يستخدم هذا الاقتراح كورقة تفاوضية قصوى، في محاولة للضغط على الأطراف المعنية للقبول بتسوية أقل حدة.
لكن آخرين يشيرون إلى أن الخطاب المحيط بهذا المخطط، خاصة من بعض مستشاري ترامب الذين يؤكدون أن الضفة الغربية أيضًا "أرض يهودية"، يجعل من الصعب الوثوق في أي تسوية عادلة قد يقدمها ترامب مستقبلًا.
وبينما يواصل ترامب الترويج لخطته، تؤكد مصر والأردن أنه لا يمكن القبول بأي حل لا يحترم حقوق الفلسطينيين، محذرين من أن فرض هذا السيناريو بالقوة قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على استقرار المنطقة بأسرها.
https://www.nytimes.com/2025/02/05/world/middleeast/egypt-jordan-gaza-trump.html