بعد ساعات من كشف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن خطط لمطالبة مصر بالسماح للاجئين الفلسطينيين الفارين من الحرب بدخول شبه جزيرة سيناء من غزة، أصدرت وزارة خارجية الانقلاب رفضًا قاطعًا للمقترح.
وأكدت أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين تعد "انتهاكًا للحقوق غير القابلة للتصرف"، محذرة من أن هذه الخطوات قد تهدد "الاستقرار الإقليمي، وتزيد من تصعيد الصراع، وتقوض فرص السلام والتعايش في المنطقة".
ازدواجية الموقف المصري؟
يُظهر رفض مصر لاقتراح ترامب موقفًا غامضًا. ففي مايو 2024، انضمت القاهرة إلى جنوب إفريقيا في القضية القانونية المثيرة للجدل أمام محكمة العدل الدولية، متهمة الاحتلال الصهيوني بارتكاب جرائم حرب دون تقديم أدلة واضحة.
الآن، برفضها استقبال لاجئي غزة، تجد مصر نفسها في مأزق أخلاقي؛ فإذا كانت تؤمن بوقوع جرائم حرب في غزة، فإن رفضها استقبال اللاجئين قد يجعلها شريكة في هذه الجرائم.
أما إذا لم تكن تؤمن بوقوع هذه الجرائم، فعليها سحب الاتهام.
على الرغم من أن وزارة خارجية الانقلاب لم تحدد رسميًا طبيعة تدخلها في القضية ضد الاحتلال الصهيوني، فإن الفكرة السائدة في الشرق الأوسط هي أن مصر شاركت في هذه الحملة القانونية ضد تل أبيب.
من الشراكة إلى التوتر
خلال فترة ترامب الأولى، كانت العلاقة بين واشنطن والقاهرة في أفضل حالاتها.
كان قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي من أوائل القادة الذين هنأوا ترامب بفوزه في انتخابات 2016، معبرًا عن تطلعه إلى "تعزيز الصداقة والعلاقات الاستراتيجية" مع الولايات المتحدة.
كما وصف ترامب السيسي بأنه "رجل رائع" بعد لقائهما الأول، بل أطلق عليه لاحقًا لقب "ديكتاتوري المفضل"، مما يعكس علاقة شخصية وثيقة بينهما.
انعكست هذه العلاقة على استمرار الدعم المالي الأمريكي لمصر، حيث تجنبت إدارة ترامب انتقاد سجل السيسي في حقوق الإنسان أو ممارساته السلطوية.
نظر ترامب إلى قيادة السيسي القوية كعامل حاسم في جهود مكافحة الإرهاب، لا سيما ضد داعش في سيناء.
كما اعتبر مصر حاجزًا أمام الإسلام السياسي، خاصة بعد أن انقلب السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين وسجن قادتها.
بالنسبة للسيسي، وفرت له إدارة ترامب الشرعية الدبلوماسية والدعم المالي، مما عزز سلطته الداخلية ومكّن مصر من توسيع نفوذها الإقليمي.
علاقات مصر بروسيا والصين.. مصدر قلق أمريكي؟
تزداد المخاوف الأمريكية من توجه مصر نحو روسيا والصين.
ففي عام 2023، كشفت تسريبات استخباراتية أن مصر كانت تخطط سرًا لتزويد روسيا بصواريخ، في تحدٍّ صارخ للسياسة الأمريكية.
وفي أكتوبر 2024، خلال ذروة مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، تخلف السيسي عن حضور اجتماع مهم مع وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، أنتوني بلينكن، وفضل بدلاً من ذلك حضور قمة "بريكس" في روسيا، مما زاد من التوترات مع واشنطن.
في الوقت نفسه، عززت مصر علاقاتها مع الصين، حيث اشترت مقاتلات صينية، وسمحت بتغلغل "دعاية معادية لأمريكا ومؤيدة للحزب الشيوعي الصيني" داخل مؤسساتها الحكومية.
ومعروف أن ترامب يولي أهمية كبيرة للولاء، لذا قد يرى في هذه التحركات المصرية نوعًا من "الخيانة."
الأزمة الاقتصادية وتداعياتها السياسية
تفاقمت الأزمة الاقتصادية في مصر خلال حكم السيسي، حيث ارتفعت معدلات التضخم، وزادت الديون، وارتفعت معدلات البطالة، مما أدى إلى تزايد الاستياء الشعبي.
وهذا قد يدفع واشنطن إلى استخدام المساعدات المالية لإعادة مصر إلى دائرة نفوذها، لكن القاهرة قد لا تكون مستعدة لذلك، خاصة بعدما رفضت الأموال الخليجية التي عرضت عليها للمساعدة في احتواء أزمة اللاجئين الفلسطينيين وعزل حماس.
بدلًا من ذلك، لجأت مصر إلى تصعيد الخطاب "المناهض لأمريكا والاحتلال الصهيوني"، مما يعزز صورة السيسي كمدافع عن "المصالح العربية والقضية الفلسطينية".
ورغم أن هذا الخطاب مستوحى من القومية العربية التقليدية، إلا أنه يتضمن أحيانًا عبارات تتماشى مع الأيديولوجيا الإسلامية، في محاولة لاستمالة الشارع المصري الغاضب.
مستقبل العلاقات بين واشنطن والقاهرة.. تحالف أم قطيعة؟
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت العلاقة الوثيقة السابقة بين ترامب والسيسي ستستمر على أساس المصالح المتبادلة أو ستتدهور إلى مرحلة من البرود والتوتر.
لكن المؤكد أن مصر تظل لاعبًا أساسيًا في الشرق الأوسط، ومع ذلك، فإن مواقفها الأخيرة بشأن غزة قد تدفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم علاقتها بها.
https://www.newsweek.com/will-egypts-president-become-trumps-least-favorite-dictator-opinion-2024328