تعرض الاقتصاد المصري لضربة قوية بسبب الصراع بين الاحتلال الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، حيث انخفضت رسوم العبور والإيرادات من قناة السويس بنسبة 60% في عام 2024، مما أدى إلى خسارة قدرها 7 مليارات دولار.
وقد أدى ذلك إلى تراجع استعداد المستثمرين لتلبية احتياجات مصر الكبيرة من التمويل الخارجي، والتي قدرها صندوق النقد الدولي بحوالي 40 مليار دولار للسنة المالية 2023-2024.

في الوقت الحالي، ساعدت المساعدات المالية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والإمارات وجهات أخرى في إنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار. وقد اشترط بعض هذا الدعم تنفيذ إصلاحات سياسية مثل التخلي عن نظام سعر الصرف الثابت غير المستدام، وتعديل سياسات الدعم والضرائب.

وربما كان الشرط الأهم هو التزام الحكومة بتخفيف قبضتها على القطاعات الرئيسية من الاقتصاد، حيث يمتلك الجيش مساحات شاسعة من الأراضي، ويشرف على مشاريع البناء، ويتمتع بوصول مميز إلى التمويل، ويحصل على إعفاءات ضريبية.

وكما جادل أكاديميون في بحث عن سياسات حديثة برعاية معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإن أزمة 2023-2024 ليست سوى أحدث حلقة في سلسلة من الأزمات منذ عام 1956، حيث ساعدت القوى الخارجية مصر على تجنب انهيار اقتصادي شامل.

والسبب الرئيسي لتدفق المساعدات هو اهتمام المجتمع الدولي بضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لمصر في ظل الصراعات الإقليمية والاضطرابات الجيوسياسية، حيث اعتُبرت البلاد "أكبر من أن تفشل".

لكن الجانب السلبي لهذه المساعدات الخارجية هو أنها مكّنت مصر من تجنب تنفيذ الإصلاحات الهيكلية العميقة اللازمة لتطوير قطاع خاص قوي موجّه نحو التصدير.

لطالما كان الاقتصاد المصري موجّهًا للداخل، تهيمن عليه الدولة، ويخضع لتنظيم صارم، مما أدى إلى انتشار المؤسسات العامة الكبرى والمحسوبية الواسعة.

وللحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ومعالجة مشكلة البطالة بين الشباب، وفرت الحكومة دعماً كبيراً -وإن كان غير مستهدف بشكل جيد- للغذاء والوقود، بالإضافة إلى تضخم القوى العاملة في القطاع العام.

وقد أدت هذه النفقات الهائلة، إلى جانب ضعف الادخار الوطني، إلى عجز في الموازنة واختلالات خارجية، استجابت لها السياسات الحكومية بالاعتماد المكثف على الدين الداخلي والخارجي، وإهدار احتياطات البنك المركزي في محاولات تثبيت أو تثمين سعر الصرف.

حقق البرنامج الجديد لصندوق النقد الدولي بعض النجاحات. فقد تم إصلاح نظام سعر الصرف في مصر، بينما لا يزال التضخم مرتفعًا عند 24% في ديسمبر 2024، إلا أنه بدأ في التراجع.
كما انخفضت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، لكنها لا تزال مرتفعة عند 89% في السنة المالية 2023-2024.

ومع ذلك، لم يتم تنفيذ إصلاحات جوهرية في الحوكمة الاقتصادية، مثل تقليص سيطرة الجيش على الاقتصاد، وخصخصة الأصول الحكومية، وتحسين إدارة قطاع المؤسسات العامة الضخم.
ونتيجة لذلك، لا تزال مصر عرضة للاضطرابات السياسية والاقتصادية.
فقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو مصر في عام 2025 من 4.1% إلى 3.6%، كما عدّل مسار التعديل المالي في البرنامج.

وأظهرت أحدث البيانات من البنك المركزي المصري أن ميزان المدفوعات سجل عجزًا قدره 991 مليون دولار في الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2024، مقارنة بفائض قدره 229 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2023.

تسود حالة من السخط الشعبي الشديد، ليس فقط بسبب تراجع آفاق النمو، ولكن أيضًا بسبب ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض الدعم المقدم للغذاء والوقود، واستمرار القمع السياسي.

هناك فقدان عام للثقة في قدرة الحكومة واستعدادها لإصلاح الاقتصاد ومكافحة الفساد والمحسوبية.

وبالنظر إلى الإطاحة الأخيرة بنظام بشار الأسد في سوريا، شددت السلطات المصرية من قبضتها على حرية التعبير خوفًا من اندلاع احتجاجات مماثلة.

ومع تصاعد الغضب الشعبي، فإن احتمال اندلاع اضطرابات واسعة لا يزال قائمًا، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت موجة الربيع العربي قد انتهت بالفعل.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاطر خارجية كبيرة. فحتى مع إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، قد يُجبر جزء كبير من سكان القطاع على الاستقرار في شبه جزيرة سيناء.

وقد دعا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى هذا التوطين، لكن الحكومة بمصر رفضت الفكرة بسرعة.

ومع ذلك، فإن حدوث ذلك سيكون له تداعيات خطيرة على مصر، من بينها تعزيز نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، مما سيؤدي على الأرجح إلى رد فعل قمعي من الجيش المصري.

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى أن مصر تستضيف بالفعل 1.2 مليون لاجئ سوداني، فإن تدفق المزيد من الفلسطينيين من غزة سيزيد من الضغوط على الموارد والبنية التحتية في البلاد.

ثانيًا، المساعدات المالية الدولية، لا سيما من دول الخليج، تحكمها اعتبارات جيوسياسية، مما يعني أنها قد لا تستمر على المدى الطويل.

من المرجح أن يواصل صندوق النقد الدولي مواجهة ضغوط من مساهميه الرئيسيين لدعم مصر، لكن هؤلاء المساهمين قد يربطون استمرار هذا الدعم بشروط، مثل قبول مصر بتوطين الفلسطينيين في سيناء أو تقليص دور الجيش في الاقتصاد. وإذا لم تمتثل الحكومة لهذه الشروط، فقد تتوقف المساعدات.

بصرف النظر عن هذه العوامل، فإن تلبية احتياجات مصر التمويلية قد تصبح أكثر صعوبة في حال اندلاع حروب تجارية، أو ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، أو استمرار قوة الدولار الأمريكي.

الخطر المتمثل في عودة أزمة اقتصادية شاملة يلقي بظلاله على آفاق مصر السياسية والاقتصادية.

وقد يكون لأي انتكاسة اقتصادية جديدة تداعيات خطيرة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، نظرًا للصراعات القائمة والتوترات الجيوسياسية.

الضغط على السلطات لتنفيذ إصلاحات اقتصادية وإدارية طال انتظارها هو أمر بالغ الأهمية، إن لم يكن أكثر أهمية من المساعدات نفسها.

https://www.project-syndicate.org/commentary/egypt-economic-crisis-could-continue-by-adnan-mazarei-2025-01