بقلم/ خديجة قانون
تشهد إسرائيل منذ السابع من أكتوبر موجة هجرة غير مسبوقة باتجاه كندا، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة هآرتس العبرية. فقد ارتفع عدد الإسرائيليين الذين غادروا إلى كندا بنسبة 500%، مقارنة بالفترة ذاتها في السنوات السابقة.
ومنذ بداية العام الحالي، هاجر نحو 8 آلاف إسرائيلي إلى كندا، مقارنة بـ 1505 فقط في العام 2022. وتشير التقديرات إلى أن العدد الإجمالي للمهاجرين قد يتجاوز عشرة آلاف شخص بنهاية العام، وهو رقم غير مسبوق يعكس ظاهرة تتطلب دراسة معمقة، خاصة إذا تم وضعه في سياق تداعيات طوفان الأقصى التي جعلت الهجرة المعاكسة من فلسطين المحتلة يربو تعدادها على المليون من المستوطنين الذين غادروا كيان الاحتلال نحو وجهات غربية آمنة.
أسباب الهجرة الجماعية
الهجرة الإسرائيلية إلى كندا ليست ظاهرة جديدة تمامًا، لكنها شهدت تصاعدًا حادًا خلال الأشهر الأخيرة، ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل المرتبطة بالأوضاع الأمنية، والسياسية، والاجتماعية داخل فلسطين المحتلة.
الأوضاع الأمنية والسياسية المتدهورة
شهد كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ تصاعد الأحداث في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، موجة غير مسبوقة من الصراعات، مما أدى إلى تصعيد التوترات بين مختلف الأطراف، حيث تصاعدت موجات عمليات المقاومة، مع اشتداد عمليات الإبادة في غزة، وزيادة مستوى العنف الذي تقوم به قوات الاحتلال والمستوطنون في الضفة الغربية، مما جعل حياة الإسرائيليين مهددة بفعل احتمال قيام الفلسطينيين بعمليات تستهدف الاحتلال ومستوطنيه.
كما أن انعدام الاستقرار السياسي داخل كيان الاحتلال بفعل ما تشهده الحكومة الإسرائيلية من خلافات حادة بشأن السياسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، جعل الكثيرين من المستوطنين داخل فلسطين المحتلة يشعرون بفقدان الثقة في القيادة.
الخوف من المستقبل
يشعر الكثير من الإسرائيليين بالقلق بشأن مستقبلهم داخل فلسطين المحتلة، خاصة مع استمرار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وهو الإحساس الذي تكرسه المؤشرات التالية:
الخوف من العزلة الدولية
تواجه إسرائيل تزايد الانتقادات الدولية بشأن سياساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية، لن تقف عند الجامعات والمؤسسات وصناديق الاستثمار السيادية، بل تهددها بالامتداد نحو عقوبات سياسية واقتصادية تنفذها الدول والمنظمات الدولية، خاصة بعد صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر نتنياهو ووزير دفاعه المقال مجرمَي حرب مطلوبين للعدالة الدولية.
التغيرات الإقليمية
مع جرائم الإبادة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بدأت بعض الدول العربية تجد حرجًا كبيرًا للإقدام على تطبيع علاقاتها مع كيان الاحتلال، وهو ما يخشى الإسرائيليون أن يكون مقدمة لفقدان الدعم الدولي التقليدي الذي تعتمد عليه بلادهم، بفضل دعم القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية التي تتحمل عبئًا كبيرًا في حماية كيان الاحتلال بالمال والسلاح، وتوفير الإسناد الدولي له، وحمايته من العقوبات والنبذ.
فرص اقتصادية واجتماعية أفضل
تمثل كندا واحدة من أكثر الدول جذبًا للمهاجرين في العالم، وذلك بفضل نظامها الاقتصادي والاجتماعي المتطور وبفضل الاستقرار السياسي الذي تنعم به كدولة غربية تحتاج إلى تدفق المزيد من المهاجرين المتدربين من أصحاب الخبرة في المجالات العلمية والمهنية المختلفة.
فعلى مستوى التعليم والرعاية الصحية توفر كندا نظامًا تعليميًا وصحيًا يعتبر من ضمن الأفضل عالميًا، ما يجعلها وجهة مفضلة للعائلات الباحثة عن مستقبل أفضل لأبنائها.
وعلى صعيد فرص العمل، توفر كندا سوقًا متنوعة للعمل، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والابتكار، ما يجذب الشباب الإسرائيليين الطامحين إلى حياة مهنية ناجحة.
بحث عن أرض جديدة أم هروب من الواقع؟
تثير هذه الظاهرة العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الهجرة الجماعية.
هل هي محاولة للبحث عن أرض جديدة؟
من المؤكد أن كندا تعتبر وجهة جذابة لأولئك الذين يبحثون عن حياة أكثر استقرارًا وازدهارًا.
الرغبة في الاستقرار: يسعى المهاجرون إلى بناء حياة جديدة بعيدًا عن الصراعات والتوترات اليومية. الهروب من الخدمة العسكرية: يشير بعض المحللين إلى أن جزءًا من الشباب الإسرائيلي يسعى لتجنب التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي.
هل هو إدراك بأن فلسطين ستعود لأصحابها؟
يشعر البعض بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية لن يدوم إلى الأبد، وأن هناك تحولًا تدريجيًا لصالح القضية الفلسطينية يأخذ ثلاثة مظاهر على الأقل:
تغير المزاج الدولي: تظهر مؤشرات على تحول في المواقف العالمية تجاه القضية الفلسطينية، ما يضع إسرائيل تحت ضغط متزايد.
الاعتراف بالحق الفلسطيني: ربما بدأت شريحة من الإسرائيليين تدرك أن الحلول السياسية قد تفرض تنازلات كبيرة، ما يدفعهم للبحث عن مستقبلٍ بعيدًا عن هذه الضغوط.
مذكرة المحكمة الجنائية الدولية التي أقرت اعتقال رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت، التي أدخلت الاحتلال في دوامة من الإدانات الدولية المتعاقبة.
هل هي محاولة لاحتلال جديد للأراضي الكندية؟
يثير البعض مخاوف من أن تكون هذه الهجرة جزءًا من إستراتيجية طويلة الأمد لإعادة استنساخ تجربة الاستيطان في أراضٍ جديدة.
تكوين لوبي قوي: يُخشى أن يسعى المهاجرون الإسرائيليون إلى تكوين لوبي مؤثر داخل المجتمع الكندي، قد يؤثر على سياسات الحكومة المحلية.
تغييرات ديمغرافية: قد تؤدي هذه الهجرة الجماعية المتصاعدة إلى تغييرات ديمغرافية في المدن الكندية الكبرى، مما قد يثير مخاوف السكان الأصليين.