فلسطينيو غزة في مصر.. معاناة معيشية وقانونية
الاثنين 16 ديسمبر 2024 11:00 م
تعيش الجالية الفلسطينية القادمة من قطاع غزة في مصر واقعًا صعبًا على مختلف الأصعدة القانونية، المعيشية، والتعليمية، في ظل غياب أي حلول مستدامة تضمن لهم حياة كريمة. ورغم تجاوز عددهم حاجز الـ100 ألف شخص، إلا أن الفلسطينيين يواجهون تحديات مستمرة بسبب عدم منحهم إقامات رسمية من قبل السلطات المصرية، ما يضعهم في حالة من عدم الاستقرار القانوني.
إقامة مؤقتة بلا حقوق دائمة
منذ اندلاع العدوان الصهيوني على قطاع غزة، تزايدت أعداد الفلسطينيين الفارين إلى مصر عبر معبر رفح. ولكن مع دخولهم الأراضي المصرية، يُمنح الفلسطينيون فور وصولهم إقامة مؤقتة مدتها 45 يومًا فقط، سرعان ما تنتهي لتتركهم في وضع قانوني غير مستقر.
عقبات التعليم والرعاية الصحية
على المستوى التعليمي، يجد آلاف الأطفال الفلسطينيين صعوبة في الالتحاق بالمدارس المصرية الحكومية أو الخاصة لعدم امتلاك ذويهم إقامات صالحة، وفي ظل هذه المعضلة، لجأ بعضهم إلى التعليم الإلكتروني الذي توفره السفارة الفلسطينية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في الضفة الغربية، أو التسجيل في معاهد الأزهر الشريف، ومع ذلك، تبقى هذه الحلول مؤقتة وغير شاملة لجميع الطلاب.
أما الرعاية الصحية، فهي تُقدم بشكل محدود للفلسطينيين، إذ يعتمد البعض على جهود جمعيات خيرية ومنظمات إغاثية لتلبية احتياجاتهم الصحية، بينما لا تُقدم السفارة الفلسطينية سوى خدمات بسيطة لا ترقى لتطلعات العائلات الفلسطينية.
معاناة السفر والإجراءات
أدت القيود المفروضة على الإقامات إلى منع الفلسطينيين المقيمين في مصر من السفر إلى دول أخرى، حيث تشترط معظم الدول وجود إقامة قانونية سارية للحصول على تأشيرة دخول.
ويُضاف إلى ذلك صعوبة فتح حسابات مصرفية أو إجراء معاملات بنكية، إذ تفرض المصارف المصرية شروطًا مثل وجود عقود عمل أو إيجار، وهو ما يعجز عن تحقيقه معظم الفلسطينيين بسبب وضعهم القانوني.
يقول أسعد عبد الناصر، أحد الفلسطينيين المقيمين في مصر: "عدم حصولي على إقامة منعني من فتح حساب مصرفي لاستلام الأموال التي أحتاجها لإعالة أسرتي، السفارة الفلسطينية مطالبة بالتحرك لتوفير إقامات لنا، فالوضع الحالي يعيق جميع مناحي الحياة، من التعليم والصحة إلى التواصل مع العالم الخارجي".
تكاليف الهروب من جحيم الحرب
منذ أكتوبر 2023 وحتى مايو 2024، تمكن آلاف الفلسطينيين من السفر من غزة إلى مصر عبر التنسيق مع شركة "أبناء سيناء" المملوكة لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، ودفعت العائلات الفلسطينية مبالغ مالية تتراوح بين 2500 و5000 دولار أمريكي للفرد مقابل تسهيل عملية المرور عبر الأراضي المصرية، هذه التكاليف الباهظة أثقلت كاهل العديد من الأسر التي كانت تسعى للهروب من القصف الصهيوني أو لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية.
مواقف متباينة من السلطات المصرية
تُبرر السلطات المصرية رفضها منح الفلسطينيين إقامات دائمة بخشيتها من أن يتحول وجودهم المؤقت إلى توطين دائم على أراضيها. وتؤكد القاهرة رفضها القاطع لأي محاولات لتهجير أو توطين سكان غزة في مصر، مشددةً على دعمها لحق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم.
جهود السفارة الفلسطينية: محاولات دون جدوى
أفادت تقارير أن السفارة الفلسطينية في القاهرة بذلت جهودًا مع السلطات المصرية لمنح الفلسطينيين إقامات مؤقتة لأغراض إنسانية تتراوح بين 6 أشهر وسنة، لكن حتى الآن، لم تُكلل هذه المحاولات بالنجاح.
يقول دياب اللوح، السفير الفلسطيني في القاهرة: "عدد الفلسطينيين الوافدين من غزة تجاوز 105 آلاف شخص، والكثير منهم كانوا في مصر أساسًا قبل العدوان الصهيوني، إلا أن الحرب حالت دون عودتهم إلى القطاع المحاصر".
بين الاستقرار المؤقت والهجرة إلى دول أخرى
نظرًا للقيود المفروضة على الإقامة في مصر، اختارت بعض العائلات الفلسطينية البحث عن بدائل أخرى، لجأت بعض الأسر إلى دول مثل ليبيا وسلطنة عمان، حيث تقدم هذه الدول تسهيلات نسبية للفلسطينيين تشمل تأسيس شركات والحصول على إقامات، ومع ذلك، يبقى حلم العودة إلى غزة هو الخيار الأول لكثير من العائلات، رغم صعوبة تحقيقه في الوقت الحالي.
صرخة فلسطينية: حلول إنسانية عاجلة
تطالب العائلات الفلسطينية المقيمة في مصر الجهات المعنية، سواء السفارة الفلسطينية أو السلطات المصرية، بالتحرك العاجل لتوفير حلول قانونية وإنسانية، وتشمل هذه المطالب منح إقامات مؤقتة لتسهيل الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية، والسماح بالسفر بحرية، وضمان حد أدنى من الحقوق الأساسية.
يقول أحد الفلسطينيين المقيمين: "نحن لا نبحث عن توطين، بل نبحث عن حلول إنسانية تحفظ كرامتنا في ظل الظروف القاسية التي نعيشها، الحرب حرمتنا من وطننا، ولا نريد أن نفقد ما تبقى من حياتنا بسبب غياب الإقامات".