في خطوة تاريخية نجحت الدبلوماسية التركية في التوصل إلى اتفاق لإنهاء الخلافات بين إثيوبيا والصومال، وبداية التعاون بينهما في مشاريع إستراتيجية.

وقال جودت يلماز، نائب الرئيس التركي، إن اتفاق الصومال وإثيوبيا على نبذ الخلافات بينهما يمثل قدوة لحل الأزمات العالمية الأخرى. جاء ذلك في منشور عبر منصة "إكس"، الخميس، تعليقًا على الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العاصمة أنقرة، وفقًا لـ"الأناضول".

وأضاف يلماز: "(الاتفاق) لوحة فخر لبلدنا وللإنسانية. لا يوجد رابح في صراع، ولا خاسر في سلام عادل". وأردف: "نأمل أن يكون الاتفاق وسيلة لنفع البلدين وقدوة لحل الأزمات العالمية الأخرى".

ووفقًا لتقرير موقع "ستراتفور" الأمريكي، فقد كان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد أصدرا إعلانًا مشتركًا قبل يومين لحل نزاعهما الثنائي بشأن اتفاقية الموانئ البحرية بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال المنفصلة عن الصومال، والتي تم التوصل إليها في يناير، بعد جولة ثالثة من محادثات الوساطة التي استضافها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وأوضح الموقع أن الاتفاق أكد احترام البلدين لسلامة أراضيهما المتبادلة مع الاعتراف "بالفوائد المتنوعة المحتملة" لوصول إثيوبيا إلى البحر، واتفقا على العمل لإكمال الاتفاقيات التجارية التي تمكن أديس أبابا من تأمين وصول بحري "موثوق وآمن ومستدام" عبر الصومال، من خلال العقود واتفاقيات الإيجار.

ويعزز الاتفاق الجديد النفوذ الإثيوبي والتركي في شرق إفريقيا، حيث يمنح إثيوبيا فرصة لتحسين مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية من خلال الوصول إلى البحر، وهو ما يُعتبر خطوة إستراتيجية لدولة غير ساحلية، ومن ناحية أخرى، يؤدي النفوذ التركي المتزايد في شرق إفريقيا إلى تعقيد التوازنات الإقليمية، ما قد يشكل تحديًا إضافيًا لمصر، لاسيما في ظل العلاقات المتأرجحة بين القاهرة وأنقرة، على الرغم من محاولات التقارب.

 

تأثير اتفاق إثيوبيا والصومال على مصر

إحدى القضايا الرئيسة التي يثيرها هذا الاتفاق هي تأثيره على الأمن والممرات المائية في البحر الأحمر، الذي يُعد شريانًا إستراتيجيًا لمصر من خلال قناة السويس. فإذا تم إنشاء موانئ جديدة بإشراف إثيوبي ـ صومالي، قد يتأثر التوازن الأمني في المنطقة، ما يثير مخاوف بشأن تعزيز التحالف البحري بين تركيا والصومال واحتمال وجود عسكري تركي أكبر. سياسيًا ودبلوماسيًا، يُتوقع أن تستخدم إثيوبيا الاتفاق لتقوية موقفها في نزاعات أخرى، مثل قضية سد النهضة، ما يزيد من تعقيد المفاوضات مع مصر.

وعلى مدار السنوات الماضية، بذلت مصر جهودًا حثيثة لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، خصوصًا من خلال بناء علاقات قوية مع الصومال. وركزت هذه الجهود على التعاون العسكري والدعم الأمني وسيلة لتأمين المصالح المصرية في هذه المنطقة. وشملت المبادرات المصرية تدريب القوات الصومالية ودعم البنية التحتية العسكرية، إلى جانب تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي. ومع ذلك، يثار تساؤل الآن حول مدى فاعلية هذه الجهود في ظل نجاح الوساطة التركية بين إثيوبيا والصومال، وهل يمكن لمصر أن تستمر في لعب دور مؤثر في القرن الأفريقي؟

 

مصر بحاجة لمراجعة توجهاتها الخارجية

وقال المساعد السابق لوزير الخارجية السفير حسين هريدي، إن مصر بحاجة إلى مراجعة شاملة لمجمل سياستها وتوجهاتها الخارجية في ضوء الزلازل الجيوسياسية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط أخيرًا، مضيفًا أن هذه المراجعة يجب أن تشمل تعزيز التحالفات الإقليمية، وإعادة تقييم الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية المستخدمة، لضمان حماية المصالح المصرية في ظل التغيرات السريعة التي تشهدها المنطقة، وفقًا لـ"العربي الجديد".

من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية السفير عبد الله الأشعل، "تركيا فعلت فعلًا مهمًا لأنها تتحرك من أجل السلام والاستقرار في القرن الإفريقي، فيما مصر كانت لاعبًا أيام (الرئيس الراحل) جمال عبد الناصر، ورأيت بنفسي كيف انحسر النفوذ المصري علانية لغياب الرؤية". وأضاف: "عندما كنت مرشحًا للرئاسة في 2012، اقترحت إنشاء وزارة متخصصة للأمن المائي المصري تنسق بين وزارات الخارجية والدفاع. الآن، الحكومة المصرية لا تضمن الأمن المائي كما ينص الدستور". وتابع: "إثيوبيا تعتمد منهج كسب الوقت، وتركيا ليست منافسة لمصر، لكنها إلى جانب إيران والصين من القوى الجديدة التي دخلت إفريقيا بعد انسحاب القوى التقليدية مثل إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة". ورأى الأشعل أن "الوضع يتطلب حسمًا سياسيًا وليس بالضرورة عسكريًا، مع ضرورة تطوير رؤية استراتيجية تعيد لمصر دورها المؤثر في أفريقيا".

من جانبه، قال المستشار السابق برئاسة الوزراء التركية جاهد طوز، "إن الاتفاق بين إثيوبيا والصومال يُعد خطوة مهمة ليس فقط على مستوى علاقات البلدين بل على مستوى القارة الإفريقية ككل. وأضاف: "لقد كانت العلاقات بين الطرفين على وشك الانزلاق إلى الحرب، ما كان سيؤثر سلبًا على المنطقة بأسرها، لذلك، جاءت الوساطة التركية لمنع تصاعد الأزمة ووضع أسس للسلام بين الجانبين، وكان هناك توتر كبير بين البلدين لفترة طويلة، ولكن مع تدخّل تركيا تم ترتيب الأمور والتوصل إلى حل سلمي".

وأشار طوز إلى أن هذا الاتفاق يحمل تأثيرات إيجابية على القارة الإفريقية بأكملها. كما أوضح أنه لا يتوقع أن يؤثر هذا الاتفاق على العلاقات المصرية-التركية، قائلًا: "العلاقات بين مصر وتركيا لها خصوصيتها، وما يحدث بين تركيا ودول أخرى يجب ألا يُعتبر تهديدًا لهذه العلاقة. بل إن هناك فرصة لتطوير العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة، خصوصًا أن الطرفين يعتمدان بشكل متزايد على التعاون لمواجهة التحديات الإقليمية".

 

يعزز مكانة تركيا

ويأتي الاتفاق بعد أن شهد القرن الإفريقي توترًا متزايدًا في أعقاب توقيع إثيوبيا على اتفاقية مع أرض الصومال، نددت بها الصومال بشدة واعتبرتها عملاً عدوانيًا قد يؤدي إلى حرب بين البلدين، ودفعتها إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع مصر وإريتريا، مما أثار مخاوف متزايدة من التصعيد العسكري في المنطقة.

وهددت الصومال بطرد القوات الإثيوبية المنتشرة على أرضه بحلول نهاية عام 2024 إذا لم تلغ إثيوبيا اتفاقيتها مع أرض الصومال، كما أطلقت حملة دبلوماسية لزيادة الضغط عليها من خلال تعزيز العلاقات مع دول المنطقة، وبالفعل أبرم الصومال شراكة دفاعية مع مصر أكبر منافس جيوسياسي لإثيوبيا، في أغسطس، وبدأت القاهرة بسرعة في نشر الأسلحة الثقيلة، وفقًا لـ"الجزيرة نت".

 

خفض التوتر

وتصاعد التوتر في الفترة الأخيرة بسبب اشتباكات بين الحكومة الفدرالية الصومالية وولاية جوبالاند الجنوبية، حيث تتمركز القوات الإثيوبية، وسوف يعمل الاتفاق -حسب ستراتفور- على خفض هذا التوتر، وعلى الحد بشكل كبير من خطر التصعيد العسكري الشديد في أوائل عام 2025.

وأشار الموقع إلى أن هذا الاتفاق سيمكن آبي أحمد وحسن شيخ محمود من التركيز على معالجة التحديات المحلية، كما سيقلل بشكل كبير احتمال حدوث تصعيد عسكري شديد بين الجانبين طوال مدة المحادثات الفنية، وبالتالي التخفيف من الاضطرابات المحتملة لعمليات مكافحة الإرهاب ضد حركة الشباب.

ورجّح موقع ستراتفور أن يتعزز موقف تركيا كوسيط رئيس في النزاع، كما سيوسع نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، وأن يزعج مصر بالمقابل، لأنه سيعزز مكانة إثيوبيا الإقليمية، ويمهد لها الطريق لتطوير مرافق بحرية في الصومال على المدى الطويل.