في خطوة وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنها "تاريخية"، تم الإعلان عن اتفاقية مصالحة بين الصومال وإثيوبيا بعد محادثات دامت عدة أشهر في أنقرة بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

الاتفاق الذي أعلن في مؤتمر صحفي جمع القيادات السياسية للبلدين، أثار العديد من التساؤلات حول تأثير هذه المصالحة على المصالح المصرية في المنطقة، لا سيما في ظل الأزمات المتصاعدة بين مصر وإثيوبيا حول ملف سد النهضة، فضلًا عن المصالح الاستراتيجية في البحر الأحمر.
 

الخلاف الصومالي الإثيوبي

   شهدت الأشهر الماضية توترات حادة بين الصومال وإثيوبيا بسبب قرار الحكومة الإثيوبية استئجار ميناء بربرة في أرض الصومال (التي لا تعترف بها مقديشو) لمدة 50 عامًا. هذا التحرك كان يشكل تحديًا للسيادة الصومالية، في وقت حساس يواجه فيه القرن الأفريقي صراعًا على النفوذ في الممرات البحرية الاستراتيجي، الحكومة المصرية، التي كانت تشعر بالقلق حيال التوسع الإثيوبي بالقرب من باب المندب، قد عبرت عن رفضها لهذا الترتيب، معتبرة أن ذلك يهدد أمنها القومي.

 

ردًا على هذا، سارعت مصر لتعزيز علاقاتها مع الصومال، حيث وقع  السيسي اتفاقًا عسكريًا مع الحكومة الصومالية في أغسطس الماضي، تم بموجبه إرسال شحنات من المساعدات العسكرية إلى الصومال.
وقد تضمن الاتفاق دعمًا عسكريًا مباشرًا، وهو ما اعتبرته إثيوبيا تحديًا لأمنها في المنطقة.
 

الدور التركي في الوساطة
   بعد أشهر من التوترات، أبدت تركيا استعدادًا غير تقليدي للمشاركة في تسوية الأزمة من خلال سلسلة من الاجتماعات المكثفة بين كبار المسؤولين في أنقرة، تمكّن أردوغان من تقريب وجهات النظر بين الصومال وإثيوبيا، وفي وقت وجيز، تم التوصل إلى "إعلان أنقرة"، وهو اتفاق يشير إلى بدء مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين على صعيد السلام والتجارة.

الوساطة التركية لم تقتصر على اللقاءات الثنائية، بل شملت أيضًا مفاوضات فنية بين الجانبين على مدار الأشهر المقبلة، مما يفتح المجال أمام إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر عبر الأراضي الصومالية، وهو ما قد يحقق لها مكاسب استراتيجية كبيرة.
 

مصر: هل خسرت أوراق الضغط؟
   مع إعلان المصالحة بين الصومال وإثيوبيا، بدأت المخاوف المصرية تزداد حول تأثير ذلك على مكانتها كطرف رئيسي في قضايا القرن الأفريقي، منذ سنوات، كانت مصر تعتمد على الصومال كأداة ضغط على إثيوبيا، لا سيما في ملف سد النهضة الذي ظل حجر الزاوية في علاقاتها مع أديس أبابا.
لكن مع تزايد التقارب بين الصومال وإثيوبيا برعاية تركيا، بدأ الكثير من المحللين المصريين يتساءلون: هل فقدت مصر ورقة الضغط الأكثر تأثيرًا في هذه القضية؟

الباحث السياسي أحمد مولانا أكد أن المصالحة بين الصومال وإثيوبيا ربما تُحقق أحد أهداف مصر، وهو منع إنشاء قاعدة بحرية إثيوبية على البحر الأحمر، لكن في الوقت نفسه، يرى أن هدف مصر الأهم في قضية مياه النيل، والمتعلق بإجبار إثيوبيا على التراجع بشأن سد النهضة، لم يتحقق.
وقد يكون هذا تحركًا تكتيكيًا من تركيا، التي تتمتع بعلاقات طيبة مع كل من الصومال وإثيوبيا، وهو ما يعكس رغبة أنقرة في الحفاظ على مصالحها في المنطقة.
 

الحلول العسكرية في مواجهة التحديات الدبلوماسية
   في مواجهة التوترات المتصاعدة في القرن الأفريقي، كانت مصر تتبع نهجًا عسكريًا في تعاملاتها مع الصومال، من خلال تقديم الدعم العسكري لها.
ومع ذلك، يرى الخبراء أن هذا النهج العسكري قد لا يكون الحل الأمثل في ظل تعقيدات الملف الإثيوبي، التي تتطلب حلولًا دبلوماسية أكثر مرونة.

الدكتور سعيد عفيفي، الخبير في العلاقات الدولية، أشار إلى أن الدور المصري في الصومال كان بمثابة "بروباغندا سياسية" تهدف إلى الضغط على الإمارات، التي تسعى لتعزيز نفوذها في القرن الأفريقي.
وعلاوة على ذلك، يرى أن التدخلات العسكرية لم تكن ضد إثيوبيا بشكل مباشر، بل كانت بمثابة محاولة لتحذير أبوظبي من الاعتراف بـ"أرض الصومال" كدولة مستقلة.
 

التنسيق المصري التركي
   في المقابل، من المتوقع أن تشهد العلاقة المصرية التركية مزيدًا من التنسيق، لا سيما في قضايا مثل ملف سد النهضة.
الباحث التركي طه عودة أوغلو أشار إلى أن هناك تفاهمات بين مصر وتركيا في القضايا الأفريقية، بما في ذلك تجنب التورط في نزاعات مباشرة والتعاون في قضايا البحر الأحمر ومنطقة شرق المتوسط.