تُعوّل مصر على مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية لتفعيل «السوق العربية المشتركة للكهرباء»، بوصفها «نواة لربط كهربائي عربي شامل» تحت مظلة جامعة الدول العربية.
ووفق خبراء فإن «مشروع السوق العربية للكهرباء سيُسهم في تحقيق أمن الإمداد للطاقة، وخفض أسعار الكهرباء بالدول العربية»، إلى جانب «تحقيق تنافسية في تقديم خدمة الكهرباء، ما يُعزز كفاءة الإنتاج"، وفقًا لـ "الشرق الأوسط".
ووقّعت 16 دولة عربية في عام 2016 على مذكرة تفاهم لإنشاء «سوق عربية مشتركة للكهرباء» تحت مظلة الجامعة العربية، ودخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في إبريل 2017، وشارك البنك الدولي في إعداد الاتفاقيات الخاصة بإنشاء السوق، وفق برنامج زمني تتبناه الجامعة العربية على مراحل تنتهي في عام 2038.
الربط الكهربائي ومعالجة أسباب نقص الطاقة
الربط الكهربائي بين الدول هو ربط شبكات الكهرباء بينها لتبادل الطاقة واستغلال الفائض في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة مما يزيد الاستقرار في الإمدادات ويسمح للدول بتحقيق أقصى استفادة من مواردها.
ورغم نجاح مصر في زيادة قدرتها على الإنتاج الاسمي من الكهرباء إلى ما يصل إلى حوالي 58 ألف ميجاوات يوميًا من خلال إنشاء محطات توليد كهرباء عملاقة بمليارات الدولارات فإن الإنتاج الفعلي يقدر بنحو 35 ألف ميجاوات بسبب عدم وجود وقود كاف لتشغيل المحطات.
وشهدت مصر أزمة كبيرة في انقطاع التيار الكهربائي بسبب زيادة الاستهلاك وانخفاض إنتاج الغاز بشكل كبير في حقل "ظهر" العملاق بالبحر المتوسط، وتجاوز الاستهلاك اليومي للطاقة 37 ألف ميجاوات، بزيادة 12% عن العام الماضي، بحسب تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
ويرى مراقبون وخبراء، أن مشروعات الربط الكهربائي وحدها لا تكفي لحل أزمة انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل.
وتحتاج مصر إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الشاملة لمعالجة أسباب أزمة الطاقة من خلال:
- زيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة
- تشجيع استخدام الطاقة المتجددة
- ترشيد الاستهلاك.
- مشروعات الربط الكهربائي
وتتوقع مصر أن تبدأ المرحلة الأولى من تشغيل الربط الكهربائي مع السعودية، بتكلفة 1.8 مليار دولار، منتصف العام المقبل، مع استمرار العمل على إنجاز مشروع الربط الكهربائي مع اليونان وقبرص الذي تبناه الاتحاد الأوروبي.
وكشف رئيس وزراء السيسي، الأسبوع الماضي، عن مشروع آخر حيث تجري تحركات الآن للربط مع إيطاليا، ضمن حزمة من مشروعات الربط الإقليمي، خاصة مع أوروبا خلال الفترة المقبلة.
تتيح مشروعات الربط بين مصر وبعض دول الجوار تبادل قدرة كهربائية تصل عدة آلاف ميجاوات.
فجوة الطاقة وتأمين الموارد
أخذ إنتاج الغاز المصري في الانخفاض، مع تراجع الإنتاج بحقل "ظهر" العملاق بنحو الثلث منذ 2019 لأسباب فنية، لكن حكومة السيسي توقعت عودة حقل ظهر إلى قوته الإنتاجية منتصف عام 2025 في ضوء الالتزام بسداد مستحقات شركة "إيني" الإيطالية.
يشار إلى أن أحد أسباب تراجع إنتاج النفط والغاز هو زيادة المتأخرات المستحقة لشركات النفط الأجنبية والتي بلغت ذروتها عند نحو 6.6 مليارات دولار قبل عامين، وهو ما أدى إلى تباطؤ برامج التنقيب والتطوير، وفقًا لوزير البترول.
وتعاني مصر من فجوة في الغاز الطبيعي إذ تبلغ احتياجاتها اليومية 6.2 مليارات قدم مكعبة يوميًا، فيما يبلغ إنتاجها اليومي نحو 4.6 مليارات قدم مكعبة وسط جهود حثيثة لزيادة الإنتاج بنهاية العام الجاري لنحو 5 مليارات قدم مكعبة يوميًا.
الطاقات المتجددة
إلى جانب تأمين مصادر الطاقة التقليدية تحتاج مصر للتوسع في الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، بحسب عضو مجلس إدارة المجلس العربي للطاقة المستدامة محمد سليم سالمان، مؤكدًا "أهمية تحقيق المستهدفات الخاصة بزيادتها في إنتاج الكهرباء".
تهدف إستراتيجية الطاقة المستدامة للحكومة إلى زيادة إسهام نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية، إلا أن مصر خفضت هدفها لنسبة الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة بحلول 2040 إلى 40% من 58% في السابق، وأكد وزير البترول أن الغاز الطبيعي سيظل وقودًا رئيسًا لسنوات مقبلة.
ورهن استشاري الطاقة المتجددة ورئيس قطاع المراقبة المركزية للأداء بكهرباء مصر سابقًا، سليم سالمان، استفادة مصر من تبادل الكهرباء بتوفر الطاقة لتشغيل محطات الكهرباء، بالإضافة إلى التوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة مثل ( الشمس، الرياح).
وعن أهمية الربط الكهربائي والجدوى الاقتصادية، أوضح سالمان أنه يعزز أمن الطاقة من خلال تنويع المصادر وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري ودعم التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة، وتقليل فاتورة واردات الوقود، وفقًا لـ"الجزيرة نت".
واستبعد أن يُنهي الربط الكهربائي أزمة انقطاع الكهرباء دون العمل على زيادة إنتاج الوقود بالصورة التقليدية والمتجددة، مشيرًا إلى أن حجم الإنتاج يبلغ نحو 35 جيجاوات، وهو متوسط الاستهلاك، ولكنْ هناك أوقات في اليوم وفي فصول السنة يكون لدى مصر فائض بسبب عدم وجود ضغط على الشبكة القومية للكهرباء.
تحديات مصر في قيادة طاقة المنطقة
يقول خبير الطاقة الشمسية وتحلية المياه، عبد الحكيم حسبو، إن "مصر يمكن أن تصبح مركزًا إقليميًا لتبادل الطاقة من خلال الاستفادة من أمرين: أولهما الاستفادة من الموقع الجغرافي لتعزيز مكانتها كمحور للطاقة في المنطقة، ثانيهما استغلال الإمكانيات المتاحة من طاقة الشمس والرياح".
وأضاف أنه يمكن لمصر أن تحقق نقلة نوعية في مجال الطاقة، وتصبح رائدة في المنطقة، لكن ذلك يتطلب تضافر الجهود الحكومية والخاصة، وترسيخ التقنيات الحديثة، وتوفير الدعم اللازم لتطوير هذا القطاع الواعد.
وأشار حسبو إلى أن الانتقال إلى مرحلة زيادة نسبة الطاقة المتجددة يحتاج إلى سنوات من الاستثمارات الهائلة والتقنيات العالية والإدارة الحكيمة من أجل تعزيز فرص تصدير الكهرباء إلى دول الجوار مما يخلق سوقًا واعدًا لعقود طويلة الأجل لمواكبة زيادة الطلب على الكهرباء.
ورأى الخبير أن الاختبار الحقيقي هو قدرة الحكومة على إحداث توازن بين تصدير الكهرباء وتلبية احتياجات السوق المحلي وتأمين مصادر الطاقة، وصياغة عقود عادلة وشفافة، وتحقيق عوائد مناسبة للدولة.