لمدة شهرين، كانت الأصوات الوحيدة في النبطية هي أزيز طائرة مُسيرة "إسرائيلية" فوق الرؤوس وهدير الضربات الجوية البعيدة. في اليوم التالي لدخول وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحزب الله حيز التنفيذ، اختفت الطائرة المُسيرة وامتلأت ثاني أكبر مدينة في جنوب لبنان بصوت المطارق وصوت دلاء الحفارات التي ترفع الأنقاض من الشوارع المسدودة.
قال وفيق جابر، صاحب محل الشرق للحلويات في النبطية، يوم الخميس: "بدأنا الإصلاحات هذا الصباح، فلماذا ننتظر؟ علينا أن نقف على أقدامنا".
كان قد شاهد قبل ستة أسابيع على كاميراته المزودة بشبكة واي فاي القنابل الإسرائيلية وهي تسقط على مبنى تلو الآخر حتى انقطعت اللقطات فجأة وعرف أن متجره قد تعرض للقصف.
تضررت أربعة من فروع مشاريعه الستة في لبنان بسبب الضربات الإسرائيلية. وقد قدر أنه خسر حوالي 1.5 مليون جنيه إسترليني في الشهرين الماضيين فقط.
ولم يتوقع المساعدة في إعادة البناء من الحكومة اللبنانية، التي كانت حتى قبل الحرب على وشك الإفلاس وغير قادرة على توفير الخدمات الأساسية.
وأضاف جابر: "لقد اعتدنا على حقيقة أن الدولة ليس لديها القدرة على مساعدتنا. لدينا بالفعل مولدات خاصة، وهناك شخص في طريقه لإحضار المياه لنا. لا نحتاج إلى أي شيء من الدولة، فقط الاستقرار".
كانت النبطية المدينة الكبرى الأكثر تضررًا في جنوب لبنان في الحملة الجوية الإسرائيلية، والتي اشتدت في 23 سبتمبر بعد ما يقرب من عام من الاشتباكات عبر الحدود بدأت في 8 أكتوبر 2023، في اليوم التالي لهجوم حماس على جنوب "إسرائيل"، حيث أطلقت مليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية النار على مواقع إسرائيلية.
يحمل الشارع التجاري الرئيس في المدينة ندوب الحرب. لقد دمرت كل واجهات المحلات التجارية، والشارع الذي تم تنظيفه مؤخرًا أصبح محصورًا بين جدران من الركام بارتفاع خمسة أمتار كانت تستخدم في السابق كمراكز تسوق.
كان المشهد مشابهًا في مدن وبلدات رئيسة أخرى في جنوب لبنان. وفي المجمل، بلغت تكلفة القتال على مدى الأشهر الثلاثة عشر الماضية 6.7 مليار جنيه إسترليني، وفقا لتقديرات البنك الدولي. لقد دمرت أشهر من القصف الإسرائيلي البنية الأساسية الرئيسة في جنوب لبنان، مما جعل معظم المنطقة بدون كهرباء ومياه وخدمة الهاتف المحمول.
وقال مسئولون في حزب الله إنهم سيعوضون كل من تضررت ممتلكاتهم في القتال، بالتعاون مع الدولة، لكن خطة إعادة الإعمار الملموسة لم تظهر بعد.
وفي النبطية، بدأت الحكومة في وضع خطة للإصلاح، لكن المسئولين يقولون إنها ستكون عملية بطيئة.
وقال علي فقيه، أحد المسئولين في وزارة الأشغال العامة الذي كان يشرف على عمل الحفارات: "سنحتاج إلى بعض الوقت - أيام - قبل أن نتمكن من تطهير الشوارع. إنه عمل خطير لأنه قد تكون هناك قنابل غير منفجرة بين الأنقاض".
وقال أحد أعضاء الحكومة البلدية إنهم غير متأكدين من المدة التي ستستغرقها الإصلاحات لأن حجم الدمار كان هائلاً ولم يتمكنوا بعد من تقييم الأضرار. وقد تعرض مبنى البلدية نفسه للقصف عدة مرات خلال الشهرين الماضيين، مما أسفر عن مقتل رئيس البلدية وعشرة أعضاء آخرين من الإدارة وتدمير مواردها.
وقال حسين جابر، وهو مهندس يعمل مع الحكومة المحلية: "لقد رحل الجميع في البلدية وهذا يبطئنا بشكل كبير في عملية التقييم. لا تستطيع البلدية تمويل أي شيء. لم يتبق لدينا حتى مبنى واحد - لقد احترقت خزائننا. لا يمكننا مساعدة أي شخص في هذا الوضع".
وقال أصحاب المتاجر في النبطية إنهم لم يتلقوا المساعدة من الدولة أو الحكومة المحلية، وأن تكلفة إعادة بناء منازلهم وأعمالهم ستكون باهظة للغاية بحيث لا يمكنهم تحملها بمفردهم.
وقال حسن بعلبكي، صاحب صيدلية، وهو يشير إلى متجره الذي دمر قبل ستة أسابيع عندما ضربت غارة إسرائيلية مطعمًا عبر الشارع: "لم يأت أحد ليتحدث معنا، كل ما نقوم به هو جهود شخصية".
وقدر بعلبكي أنه خسر منتجات بقيمة 400 ألف جنيه إسترليني في الضربة، دون احتساب الأضرار الهيكلية.
وأضاف بعلبكي: "لا أستطيع تحمل هذا العبء المالي. سأصلح المتجر وأرى ما سنفعله. نأمل أن نتمكن من إعادة فتحه الشهر المقبل".
متانة اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه مؤخرًا ضعيفة: نفذت إسرائيل غارة جوية شمال نهر الليطاني على ما قالت إنه منشأة صواريخ لحزب الله يوم الخميس، في منطقة يُسمح للجماعة بالعمل فيها بموجب شروط الهدنة.
وقال الجيش اللبناني، الذي ينص اتفاق وقف إطلاق النار على تزويده بعشرة آلاف جندي لمراقبة الهدنة، إن هذا يشكل انتهاكاً للاتفاق، وأضاف أنه سيثير الأمر مع المحاورين.
ورغم الخطر المحدق المتمثل في إعادة فتح الصراع، فإن سكان النبطية يعيدون بناء منازلهم ــ وهي العملية التي اعتادوا عليها تمام الإدراك.
وأوضح جابر أنه أخذ في الحسبان احتمال اندلاع حرب أخرى تشمل "إسرائيل" في تخطيطه المالي بعد الصراع بين "إسرائيل" وحزب الله في عام 2006. وقال: "لقد فتحت فرعين في منطقتين أكثر أمانًا حتى يكون هناك ما يبقيني مستمرًا إذا اندلعت حرب مرة أخرى".