فجأة وبلا اتفاق ، كانت تستعد حكومة مدبولي للاحتفاء به اليوم الخميس، في مؤتمر صحفي كبير، وفق مصادر "نافذة مصر"، غادرت بعثة صندوق النقد القاهرة ، دون اتفاق، مكتفية بإعلان بيان صحفي، يرحب بالإجراءات التي اتخذتها مصر، ضمن ما يسمونه ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، مع الإشارة لعديد من التحديات الاستراتيجية والجيوسياسية التي تواجهها، فيما يتعلق بتراجع ايرادات قناة السويس، وحرب غزة...واعدة بعودة قريبة لمصر!!!
وهو الأمر الذي يثير التوجسات والتساؤلات العديدة، حول سبب المغادرة المفاجأة!!!
أمس الأربعاء، غادرت بعثة صندوق النقد الدولي، برئاسة إيفانا فلادكوفا هولار، القاهرة، دون التوصل إلى اتفاق نهائي مع حكومة السيسي بشأن استكمال المراجعة الرابعة لصرف الشريحة الجديدة من القرض البالغة 1.3 مليار دولار.
وقال صندوق النقد، في بيان، إن البعثة التي زارت القاهرة من 6 إلى 20 نوفمبر الجاري ستواصل مناقشاتها خلال الأيام المقبلة لاستكمال الاتفاق على السياسات والإصلاحات المتبقية التي من شأنها دعم استكمال المراجعة الرابعة، بموجب برنامج دعم الاقتصاد المصري الموسع بقيمة 8 مليارات دولار، الذي أُقر في مارس الماضي.
كلام دبلوماسي
وأكدت البعثة تحقيق "تقدم كبير" في المناقشات مع سلطات السيسي، موضحة أن مصر تأثرت سلبًا بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة، لا سيما الحرب الصهيونية على غزة، ما أدى إلى انخفاض بنسبة تصل إلى 70% في إيرادات قناة السويس، إلى جانب الضغوط المتزايدة على الخدمات العامة نتيجة تدفق اللاجئين...
وأضاف بيان الصندوق: "مصر تمكنت من تنفيذ إصلاحات رئيسية، من بينها توحيد سعر الصرف في مارس الماضي، ما ساهم في تخفيف الطلب المتراكم على العملات الأجنبية.
ومع ذلك، لا تزال الضغوط التضخمية تمثل تحديًا، رغم سياسات التشديد النقدي التي نفذها البنك المركزي"، حسب بيان الصندوق.
ألاعيب التعويم المدار
وفي محاولة ، على ما يبدو لإقناع الصندوق، ارتفع سعر بيع الدولار الرسمي لأعلى مستوياته على الإطلاق،أمس، ليسجل 49.74 جنيه، متجاوزًا أقصى قمة وصل لها في مارس الماضي عند 49.57 جنيه، حسب بيانات البنك المركزي، وهو أسلوب معتمد من قبل حكومة السيسي مع بعثات الصندوق وعمليات المراجعة الشاملة، لتصوير الأمر على أنه تعويم، وهو ما لم يقنع أحدا بأنه إدارة حكومية للتعويم، بعيدة تماما عن الاقتصاد وقيمة الجنيه المصري، التي تقدره دوائر بحثية وأكاديمية دولية، بأنه قد يكون عند مستوى 100 جنية للدولار، فيما قدرته دوائر بأنه 80 جنيها.
الإعفاءات الضريبية وامتيازات الجيش
ومنذ فترة طويلة يطالب صندوق النقد ببيع شركات الجيش وتقليص دره بالاقتصاد، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة، إذ لم تسطع حكومة مدبولي بيع شركتي صافي وشركة وطنية للبترول، المطروحتين للبيع منذ أشهر بسبب عراقيل المؤسسة العسكرية، التي لا يستطيع السيسي مخالفتها.
وذلك في الوقت الذي استجاب فيه السيسي لكل مطالب الصندوق فيما يتعلق بالمواطنيين المصريين، من رفع أسعار الوقود والكهرباء وتقليص الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم وكذا خفض الدعم المقدم للفقراء، سواء التمويني أو رغيف الخبز،علاوة على نجاح السيسي في بيع العشرات من شركات الحكومة وسحب يد الحكومة عن المئات من الأصول الاقتصادية الرابحة، إلا انه لم يتقدم خطوة واحدة، فيما يتعلق باقتصاد الجيش...وهو على ما يبدو كان مثار الخلاف بين القاهرة والصندوق، الذي طالب في بيانه الختامي ، بضرورة تقليص الإعفاءات "إشارة صريحة للجيش" بدلا من توسيع فرض الضرائب على الشعب.
وفي تأكيد على أن الخلاف والانسحاب من دون اتفاق، كان سببه الاقتصاد العسكري المتوحش، ركز بيان الصندوق على ضرورة تسريع الإصلاحات الهيكلية "لتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد، بما يشمل تسريع خطط تخارج الدولة، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي لمواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة.
كما دعا البيان سلطات السيسي للعمل على إصلاحات السياسة الضريبية، بما يساعد على نجاح جهود تعبئة الإيرادات المحلية، وتوليد الحيز المالي الكافي لتمويل برامج الإنفاق التي تشتد الحاجة إليها، خاصة في الصحة والتعليم وشبكة الأمان الاجتماعي، مع خفض الديون وخدمة الدين.
وحسب الصندوق، ينبغي أن تهدف هذه الإصلاحات أيضًا، إلى تحسين العدالة الضريبية، مع التركيز على تقليل الإعفاءات بدلًا من زيادة معدلات الضرائب؛ وهو مطلب عادل، إذ أن الجيش واقتصاده الذي يبتلع نحو 60% من اقتصاد مصر، لا يدفع ضرائب ولا رسوم ولا أية مستحقات للدولة، ويمنح المليارات من أراضي الدولة بالمجان وبالأمر المباشر، كما يخدم أبناء المصريين فيه بنظام السخرة للمجندين، وتقدم له الامتيازات بشكل يومي ووفق الأهواء والامزجة، ما يسبب خللا دائما بالاقتصاد المصري، ويفاقم الأزمات المالية للدولة، علاوة على الأزمات المعيشية لملايين المصريين.