مع استعداد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب للعودة إلى البيت الأبيض في يناير، تختلط الملفات الإقليمية والدولية.

ولعل أبرز هذه الملفات على الأجندات العربية والدولية هو مستقبل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس.

وتشير التقارير إلى أن واشنطن طلبت من الدوحة طرد الحركة وتجميد أموالها وتسليم بعض كبار مسؤوليها للمحاكمة إذا استمرت في رفض اتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال الصهيوني بعد أكثر من 400 يوم من الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.

حماس لاعب رئيسي في الملف الفلسطيني، وتتمتع بدعم شعبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولها علاقات متشابكة ووثيقة مع عواصم مؤثرة في الشرق الأوسط، وهو ما يجعل من الصعب التخلص من الحركة أو قص أجنحتها.
وتعرضت الدوحة لانتقادات صهيونية وأميركية بسبب علاقتها بحماس، خاصة منذ أحداث السابع من أكتوبر من العام الماضي.

وكانت هناك اقتراحات متتالية بأن الحركة طلبت من قطر الانتقال.

ونقلت رويترز في مايو عن مسؤول - قيل إنه مطلع على تقييم الحكومة القطرية - قوله إن الدوحة تدرس ما إذا كانت ستسمح لحماس بمواصلة تشغيل مكتبها السياسي في العاصمة القطرية، كجزء من مراجعة أوسع لدور الوساطة الذي تلعبه الدولة الخليجية بين حماس وإسرائيل.
وقالت مصادر أميركية وقطرية قبل أيام إن مسؤولين أميركيين طلبوا من نظرائهم في الدوحة طرد حماس، وأن قطر أبلغت الحركة بذلك، حسبما ذكرت شبكة سي إن إن؛ لكن وزارة الخارجية القطرية ردت قائلة، إن التقارير المتعلقة بمكتب حماس في الدوحة غير دقيقة.

وأكدت الوزارة أن الغرض الرئيسي من المكتب في قطر هو أن يكون قناة اتصال بين الأطراف المعنية، وأن هذه القناة وافقت على وقف إطلاق النار في عدة مناسبات.

ولم تنف وزارة الخارجية تلقي الدوحة طلبات أميركية في هذا الصدد، كما لم تكشف عن موقفها النهائي من هذا؛ ربما تنتظر تفاهمات مع إدارة ترامب القادمة، أو ترتيبات تتم بالتشاور مع قيادات حماس، أو تحسباً لتقدم في الوساطة التي من شأنها أن تصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وتشير الأوساط الدبلوماسية إلى أن قطر، التي أعلنت تعليق وساطتها بين حماس والاحتلال، أعدت سيناريوهات مرنة من شأنها أن تخفف عنها أي حرج، مع الحفاظ في الوقت نفسه على ثقلها في إدارة الملف الفلسطيني.
 قامت شبكة الجزيرة الإعلامية القطرية بتغطية الحرب في غزة على مدار الساعة لأكثر من عام.

كما شارك أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في جنازة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، الذي اغتيل في طهران في يوليو ودُفن في الدوحة في الثاني من أغسطس.

وعلاوة على ذلك، يبدو أن حماس لم يطلَب منها مغادرة الدوحة، ولكنها أُبلغت بطلب أميركا بطردها؛ وذلك وفقاً لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، التي نقلت عن مصدر مسؤول في الحركة.

ولم تطلب الحكومة القطرية أي شيء من قادة الحركة، وتعتبر الطلبات الأميركية بمثابة ضغط لإجبار الحركة على تقديم تنازلات في مفاوضات وقف إطلاق النار المتوقفة في غزة.

حماس فرع من جماعة الإخوان المسلمين، ولا تركز وجودها بالكامل في الدولة الخليجية الصغيرة؛ وتنتشر كوادرها في لبنان وسوريا وإيران وتركيا ودول أخرى.

وعلى مدى ما يقرب من أربعة عقود، منذ إنشاء مكتبها السياسي في عام 1992، تنقلت مقار الحركة بين ثلاث عواصم عربية: عمان ودمشق والدوحة. ويقيم قادتها في عدة عواصم، بما في ذلك القاهرة والجزائر وتونس وأنقرة وطهران وبيروت، التي توفر لها شبكة واسعة من العلاقات مع حزب الله، وقواعد عسكرية وتنظيمية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وقال الخبير الفلسطيني عبد الغني الشامي أن قطر تفرق بين كونها وسيطاً وبين استضافة المكتب السياسي لحماس، الذي يمنحها في الأساس مساحة مكتبية فقط، لكنها لا تسمح بأي أنشطة، وهو معروف جيداً للأميركيين.

وأشار إلى أن وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحافية للحركة تعقد وتبث غالباً من بيروت.
ويعتقد الشامي أن الشائعات المتداولة تشكل ضغطاً سياسياً على الحركة لخفض مطالبها على طاولة المفاوضات.
ويرى المراقبون أن هناك خيارات أخرى أمام الحركة، منها طهران وبيروت وبغداد ودمشق وصنعاء.

لكن كل هذه الخيارات تنطوي على مخاطر أمنية عالية، نظراً لسهولة اختراق العواصم الخمس، والحرية التي تمنح لجيش الاحتلال الصهيوني في شن هجمات عليها.

وقد تجلى ذلك في اغتيال هنية سياسياً في طهران، حيث حضر تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، واغتيال نائبه صالح العاروري في بيروت في يناير الماضي.
وتشير التقارير الإعلامية إلى أن القمة بين أمير قطر والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس الماضي ناقشت إمكانية استضافة تركيا لقادة حماس، على أن تتحمل قطر تكاليف الإقامة والتأمين؛ وهو خيار منطقي إذا تصاعدت الضغوط الأميركية على الدوحة؛ فمن المرجح أن تكون أنقرة قادرة على تحمل تداعيات مثل هذه الخطوة، ولدى تركيا رغبة في لعب دور أكثر تأثيراً في الملف الفلسطيني.

وقد تكون هناك خيارات أخرى ممكنة، مثل الجزائر وعمان وموريتانيا وجنوب أفريقيا.

ومن المتوقع أن تلعب الدوحة وأنقرة دوراً تنسيقياً في إدارة الترتيبات وتحديد من سيستضيف حماس، بالتشاور مع قادتها المعروفين بدبلوماسيتهم وحنكتهم السياسية.

لكن الصحفي والسياسي المصري تامر شيرين شوقي قدم اقتراحاً مختلفاً على الفيسبوك، حيث طالب العسكري السيسي باستضافة المكتب السياسي لحماس في القاهرة.

وبرر شوقي ذلك بقوله إنها فرصة ذهبية لاستعادة بعض النفوذ المصري المفقود في القضية الفلسطينية. وقد تصبح مفتاحاً لأي أزمات مستقبلية مع الاحتلال الصهيوني، خاصة بعد سيطرته على ممر فيلادلفيا (صلاح الدين) في انتهاك لمعاهدة السلام بين البلدين.

وبحسب محلل سياسي مصري طلب عدم ذكر اسمه، فإن مصر تستضيف بالفعل بعض قادة حماس وعائلاتهم بشكل غير رسمي، مثل موسى أبو مرزوق، وبعضهم يحمل الجنسية المصرية؛ ولابد من الأخذ في الاعتبار أن استضافة قطر لقادة حماس كانت بالاتفاق مع الولايات المتحدة، وإذا كانت مصر ستستضيفهم، فسيكون ذلك على نفس الأساس.
وأضاف المحلل: "إن هذه الخطوة تتناقض مع التزامات مصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد وقواعد الاستراتيجية الأميركية التي فرضت على الأنظمة المصرية المتعاقبة مبدأ حماية أمن الكيان الصهيوني وبالتالي عدم استضافة أعدائه.

وقد يتسبب الأمر أيضًا في توترات ومشاكل أمنية بين الجانبين، إذا تم استهداف أي من قادة حماس على الأراضي المصرية".

وكثيرًا ما تستضيف المخابرات العامة المصرية وفودًا سياسية وأمنية من حماس للتشاور بشأن وقف إطلاق النار والأسرى والمصالحة الفلسطينية.

ولكن في ضوء مواقف نظام السيسي من حرب غزة والاتهامات الموجهة إليه بالتورط في حصار القطاع والمماطلة في فتح معبر رفح، فمن الصعب على القاهرة أن تتخذ خطوة استضافة حماس.

فنظام السيسي يخشى إثارة غضب تل أبيب وواشنطن، وهو ما لا يريده السيسي.
وفي كل الأحوال، من المرجح أن توزع حماس قيادتها ومكاتبها على أكثر من عاصمة أجنبية، ولا شك أنها ستحافظ على وجودها في الدوحة، ولو بشكل محدود.

وسيعتمد حجم هذا الوجود على التطورات، وسيحتاج إلى مرونة الحركة وحكمتها في التعامل مع الضغوط التي تمارس على قطر بما يخدم مصالحها في المستقبل.

https://www.middleeastmonitor.com/20241119-why-doesnt-egypt-host-the-hamas-political-bureau/