كشفت د.ليلى نقولا، أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية عن 4 مؤسسات دينية أغلبها تعليمية، تشكل وتعيد تشكيل عقيدة المقاتلين الصهاينة في غزة ولبنان بدفعهم لتحمل الخسائر البشرية على مدار عام وهو عكس المتعارف عليه من جنود الصهاينة.

وفسرت نقولا في ورقة بعنوان؛ "دور الحاخامات في تغيّر العقيدة القتالية في "إسرائيل" قالت: إن البعد العقائدي الديني دخل عقيدة جيش الاحتلال، وهو ما يمكن أن يفسّر قدرة الاحتلال على خوض حرب استنزاف مدة عام، والتأقلم الصهيوني مع نسبة الخسائر البشرية العالية.

واستندت إلى تقرير نشرته "CNN" في 25 أكتوبر 2024، بشأن رفض الجنود الصهاينة الالتحاق بالخدمة مجدداً.
يقول أحد الذين خدموا عند الحدود مع لبنان "إن الخدمة كانت صعبة للغاية بالنسبة إليه، لأن الجو كان يبدو "عسكرياً دينياً" للغاية، موضحاً بالقول: "شعرت بأن جزءاً كبيراً من الأشخاص، الذين كنت معهم، يدفعهم الجانب الديني إلى القتال في هذه الحرب، وهو الأمر الذي كان غير مريح للغاية بالنسبة إلي".

وضمن التقرير يتذكر الجندي أن أحد رفاقه من الجنود قال له "إن قتل الفلسطينيين في غزة، بمن في ذلك الأطفال، هو واجب ديني يهودي، لأنهم سيصبحون إرهابيين عندما يكبرون".

وأيًّد هذا التقرير بحسب الورقة، تصريح المحلل السياسي للقناة "الـ12" العبرية، عميت سيجال، الذي قال إن "60% من الجنود القتلى خلال الشهر الجاري  في لبنان هم من أتباع تيار الصهيونية الدينية، وهم من مستوطني الضفة الغربية". 
 

متدينون وعلمانيون
وأوضحت أنه تشتد المشاكل داخل الكيان المحتل بشأن تجنيد الحريديم، ويهدد الحزبان الدينيان في الحكومة "شاس" و"يهدوت هتوراه"، بالتصويت ضد الميزانية المالية، إذا لم يتم المضي قدماً في قانون الإعفاء من التجنيد.

وبالمقابل، قالت: "في السنوات الأولى لتأسيس الكيان، كانت مراكز القوة الرئيسة في البلاد ــ المؤسسة العسكرية والحكومة ــ خاضعة لسيطرة النخبة الصهيونية العلمانية واليسارية في الغالب، والتي أسست "الدولة" في عام 1948.
لكن؛ على مدى العقدين الماضيين ظهر جيل جديد يجمع بين الدين والقومية، وتُظهر الدراسات الأكاديمية أن عدد الضباط الصهاينة المتدينين في "الجيش" شهد زيادة هائلة، كما زاد تأثير الحاخامات الذين أدخلوا مسائل الإيمان والسياسة في ساحة المعركة".
 

4 مؤسسات تعليمية
ولفهم التحوّل في جيش الاحتلال، لا بد من أن نعرّج على بعض الهياكل التي أقامها والتي دمج فيها المجتمع الصهيوني المتدين، وكيف أدّى التحوّل إلى هذه النتائج:

  1. مدارس Hesder Yeshivot
       هي مؤسسات تعليمية بعد المرحلة الثانوية تابعة للجيش، بحيث يُمضي طلاب المدارس الدينية الصهيونية جزءاً من خدمتهم العسكرية منخرطين في تعلم التوراة وتأدية الخدمة العسكرية.
    وخلال العقود الأخيرة تم إنشاء شبكة من الأكاديميات العسكرية الدينية الوطنية، وتطورت هذه المدارس لتدريب جيل جديد من القادة العسكريين الذين لا يتخرجون بتدريب عسكري فحسب، بل لديهم أيضاً دافع ديني إلى البحث عن أدوار قتالية داخل الجيش.
     
  2. اليهود المتدينون:
        لا يخدم المجتمع المتدين (الحريديم) بشكل عام في "الجيش" بسبب معتقداته الدينية ولرفضه العلمانية، ومع ذلك، هناك وحدات خاصة لأولئك الذين يتطوعون، والتي تحافظ على معايير دينية صارمة.
    وتشير التقارير إلى أن نسبة 4 % فقط من الحريديم، الذين تم استدعاؤهم مؤخراً، التحق بالخدمة فعلياً.
     
  3. الصهاينة المتدينون
       يدمج هؤلاء معتقداتهم الدينية في خدمتهم العسكرية، وغالباً ما ينظرون إلى خدمتهم على أنها واجب وطني وديني معاً، ويتباين هؤلاء الصهاينة المتدينون عن المجتمع اليهودي الأرثوذكسي المتطرف في نظرتهم إلى الاندماج في المجتمع والخدمة العسكرية.
    تأسست أول مدرسة إعدادية عسكرية في الأراضي المحتلة، بني دافيد، عام 1988، لتشجيع الصهاينة المتدينين على تولي أدوار في الجيش، في وقت لاحظ الجيش تراجعاً في دوافع المجندين المتدينين.
    وتفتخر المدرسة في أن جميع خريجيها تقريباً يتطوعون للقتال، بحيث يتم تعليمهم أن "الخدمة العسكرية واجب مدني، لكنها أيضاً وصية عظيمة من التوراة". 

    منذ تأسيسه، افتخر جيش الاحتلال في أنه منظمة علمانية للغاية ليس لها أجندة دينية أو سياسية، باستثناء الدفاع عن "الدولة"، لكن الأمر بدأ يتغير في العقود الأخيرة.
    وعلى الرغم من أن المتدينين المتشددين (الحريديم) يرفضون الخدمة العسكرية، فإن الفصيل الآخر، الذي يُعرف أحيانًا باسم "الهارداليم" أو "المتدينين الوطنيين" أو "الصهاينة المتدينين" والذين يمثلون نحو 13٪ فقط من المستوطنين، باتوا يمثلون في عام 2024 نحو 40٪ من طلاب الضباط الذين يدخلون الجيش، بعد أن كانت نسبتهم 2.5% في عام 1990، و26% في عام 2008.
     
  4. الحاخامية العسكرية
       خدم الحاخامات فترةً طويلة في جيش الاحتلال، لكنهم تعاملوا تاريخياً مع القضايا اللوجستية، مثل التزام قوانين النظام الغذائي اليهودي، وتنظيم خدمات الصلاة، والحفاظ على الالتزام الديني في أثناء الواجبات العسكرية. 
    بدأ هذا يتغير في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فلقد حصلت الحاخامية العسكرية على دور جديد لربط الجنود بجذورهم اليهودية وغرس روح القتال فيهم، القائمة على الإيمان والتقاليد التي تعود إلى قرون.

    وهكذا، في عام 2001، أنشأت الحاخامية فرع "الوعي اليهودي"، الذي يقدم إلى الجنود جولات ومحاضرات عن اليهودية ودروساً تدمج معاً التعاليم الدينية مع القيم العسكرية مثل التضحية بالنفس. 

    عام 2016، أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق، غادي آيزنكوت، أنه سينقل وحدة "الوعي اليهودي" من سلطة الحاخامية العسكرية، ويضعها تحت سلطة مديرية شؤون الموظفين، بعد أن تعرضت لانتقادات من داخل الجيش وخارجه بسبب دفعها أجندة أيديولوجية دينية يمينية، وبعد أن انتقدها الجنود العلمانيون متخوفين من أن يؤدي كثرة التدين في الجيش إلى تساؤل الجنود عمن يجب أن يطيعوا: ضابطهم أم الله.

دور الحاخامات
   وأبانت أن دور هؤلاء الحاخامات برز خلال الحروب على غزة ولبنان، بحيث تفيد التقارير بأنهم يضطلعون بدور واسع لتعزيز الروح القتالية للجنود وعدم استسلامهم لأنهم يقاتلون من أجل "التوراة"، لذا من واجبهم التشبث بالأرض وبعدم الرحمة مع العدو. ينتقدهم البعض مؤكدين أنهم السبب في دفع الجنود إلى عدم التمييز بين المدنيين والعسكريين، إلى ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. 

وخلصت إلى أن البعد العقائدي الديني دخل عقيدة الجيش "الاسرائيلي"، وهو ما يمكن أن يفسّر قدرة الاحتلال الصهيوني على خوض حرب استنزاف مدة عام، وتأقلمه مع نسبة الخسائر البشرية العالية.
وتشير الدراسات الصهيونية الحديثة إلى أنه "لا يوجد مكان آخر في الكيان المحتل يتجلى فيه النفوذ المتزايد للقوميين الدينيين وامتدادهم بشكل أوضح من داخل المؤسسة العسكرية".

 

وفي السابع من أكتوبر 2023، أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت مستوطنات غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين صهاينة، وردت تل أبيب بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.