شهدت العلاقات المصرية الإماراتية توترات غير مسبوقة في أعقاب قرار رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد العفو عن لاعبي نادي الزمالك المصري، الذين تم الحكم عليهم بالسجن في الإمارات بسبب تورطهم في مشاجرة.
القرار جاء بعد حكم صادر عن القضاء الإماراتي بالسجن عام على اللاعبين، حيث بدت الخطوة الإماراتية بمثابة رسالة تحمل دلالات سياسية وأخلاقية مباشرة تجاه مصر، ولا سيما تجاه النظام العسكري بزعامة السيسي.
خلفية القضية
بدأت الأزمة حين تورط عدد من لاعبي الزمالك في حادثة شجار في الإمارات، وتمت محاكمتهم وإدانتهم من قبل القضاء الإماراتي بتهمة "الإخلال بالنظام العام"، وحكم عليهم بالسجن لمدة عام.
تصاعدت الأحداث بعد إصدار الحكم، حيث طالب العديد من المصريين، سواء في الداخل أو الخارج، السلطات الإماراتية بمراجعة القرار والإفراج عن اللاعبين، معتبرين أن الحكم قاسٍ ومبالغ فيه.
إلا أن الإمارات تمسكت بموقفها لأسابيع، مما أثار جدلاً واسعاً حول إمكانية تأثير القاهرة على قرار أبوظبي، وقدرتها على حماية مواطنيها في الخارج.
العفو الإماراتي: بين الرسالة والدلالة
بعد الحكم، جاء قرار العفو من الشيخ محمد بن زايد ليشكل مفاجأة للكثيرين؛ إذ تم الإفراج عن اللاعبين بشكل فوري، دون انتظار فترات الطعن أو إعادة النظر.
القرار أثار تساؤلات حول دلالاته وأبعاده السياسية، حيث يرى بعض المحللين أن هذا القرار يحمل رسالة سياسية مبطنة موجهة لنظام السيسي.
الرسالة التي ترغب الإمارات في إيصالها هي أنها صاحبة الكلمة الأخيرة في تحديد مصير المصريين العاملين أو المقيمين على أراضيها، وأن نظام السيسي لا يمتلك القدرة على التأثير في السياسات الإماراتية أو الدفاع عن رعاياه.
الخطوة الإماراتية تعكس -من منظور آخر- تصوراً يرى أن القاهرة فقدت مكانتها وهيبتها أمام دول المنطقة، بما فيها الإمارات، التي كانت لسنوات قليلة تنظر إلى مصر باعتبارها الحليف القوي والشريك الاستراتيجي الرئيسي.
إلا أن المتغيرات الإقليمية، والأزمات الاقتصادية المتصاعدة في مصر، ساهمت في تغيير موازين القوى لصالح الإمارات التي بدت وكأنها ترسل رسالة واضحة إلى السيسي بأن "الإمارات هي اللاعب الأقوى في هذه العلاقة".
انعكاسات القرار على العلاقات المصرية الإماراتية
قرار العفو يحمل في طياته دلالات تتجاوز القضية بحد ذاتها، ليعكس وضعاً متأزماً للعلاقات بين البلدين.
ورغم ما يظهر على السطح من تعاون اقتصادي وسياسي بين مصر والإمارات، إلا أن هذا التعاون يحمل في داخله قدراً كبيراً من عدم التوازن، إذ باتت الإمارات تمتلك أصولاً واستثمارات ضخمة في مصر، فيما يزداد اعتماد مصر على الدعم الاقتصادي والسياسي من أبوظبي.
هذا الوضع جعل بعض المراقبين يرون أن الإمارات بدأت تنظر إلى مصر كدولة تابعة وليست شريكة، ويظهر هذا في تجاهل القاهرة لقضايا جوهرية تمس كرامة المصريين في الخارج، كقضية لاعبي الزمالك، حيث تترك للجانب الإماراتي اتخاذ القرارات التي تمس مصالح المصريين بشكل أحادي دون اعتبار لمكانة مصر.
تجاهل النظام المصري لمواطنيه
القرار أثار أيضاً تساؤلات حول موقف حكومة السيسي من القضية؛ إذ لم تُظهر القاهرة موقفاً قوياً أو تدخلاً مباشراً لوقف الحكم أو التفاوض على تخفيفه، ما جعل كثيرين يرون في ذلك ضعفاً في إرادة نظام السيسي وعجزاً عن حماية المواطنين.
يتهم المعارضون السيسي ونظامه بعدم الاكتراث لكرامة المصريين في الخارج، ويعتبرون أن سياسات السيسي تجاه المصريين تجعلهم عرضة للإذلال والاستغلال في الدول التي يعملون أو يقيمون فيها، مما يعكس أزمة كبيرة في علاقات مصر الخارجية وتراجع تأثيرها الدبلوماسي.
دلالات سياسات الإمارات تجاه السيسي
المشهد الحالي يعيد إلى الأذهان أحداثاً مشابهة تتعلق بتعاملات الإمارات مع رعايا دول أخرى، إلا أن الاختلاف يكمن في أن نظام السيسي العسكري يبدو مستسلماً لمواقف أبوظبي ولا يملك أدوات الضغط أو الرد، مما يجعله يبدو كدولة بلا وزن حقيقي في ميزان القوى الإقليمي.
يرى البعض أن السياسات الإماراتية تجاه مصر تحت مظلة عصابة السيسي تعكس نهجاً استعلائياً، حيث تفرض أبوظبي شروطها وتوجهاتها دون اعتبار لرأي أو مصلحة مصر.
يُذكر أن الإمارات كانت من أوائل الدول التي دعمت نظام السيسي أثناء وبعد انقلاب 2013، ووفرت له دعماً اقتصادياً كبيراً، إلا أن هذه العلاقة لم تعد كما كانت؛ فقد تحولت من علاقة شراكة إلى علاقة تبعية، حيث تزداد الفجوة الاقتصادية والسياسية بين البلدين لصالح الإمارات.
ختامًا؛ قرار العفو عن لاعبي الزمالك يظهر بشكل واضح أن علاقة مصر بالإمارات تحت حكم السيسي لم تعد علاقة تكافؤ، بل أصبحت تميل لصالح الإمارات بشكل كبير. هذا الحدث يعكس تراجع النفوذ المصري وفقدان النظام لمكانته، مما يجعل المصريين في الخارج عرضة للمزيد من المواقف المشابهة التي تنال من كرامتهم وحقوقهم.