وعدت حكومة الانقلاب بتطوير النظام الصحي وتحسين أوضاع المستشفيات الحكومية، لكن هذه الوعود بقيت حبراً على ورق، فيما تتفاقم الأزمات داخل المستشفيات العامة التي تحولت إلى ساحات للموت البطيء بدلًا من الرعاية.
وبينما تتزايد معاناة المرضى، يتكشف تدهور كبير في مستوى الخدمات الصحية، مع غياب شبه تام للتجهيزات الطبية الأساسية وانتشار الفساد والرشاوى في تعاملات الكوادر الطبية مع المرضى.
أزمة تمويل مزمنة .. إنفاق صحي متدنٍ مقارنة بالمعايير الدولية
تشير الأرقام الرسمية إلى أن الإنفاق الحكومي على الصحة في مصر لم يتجاوز نسبة 4.9% من إجمالي الإنفاق العام خلال السنوات الأخيرة، في حين تقترح المعايير الدولية، التي وافقت عليها مصر سابقًا في قمة أبوجا عام 2001، نسبة 15% كحد أدنى.
هذه الفجوة الكبيرة في التمويل تعكس حجم الأزمة الصحية في البلاد، وتضعها في مراتب متدنية عالميًا، مع نقص حاد في الأدوية والخدمات الأساسية، مما جعل المستشفيات الحكومية بيئة غير صالحة حتى للاستخدام الآدمي.
مشاهد من الإهمال .. مستشفى إمبابة العام ومعهد القلب في إمبابة
في مستشفى إمبابة العام، وجدنا ممرات مظلمة مليئة بالقطط وأجهزة متهالكة، حيث تفتقر غرف العناية المركزة إلى أبسط وسائل الرعاية الصحية.
وصف أحد العاملين الوضع قائلاً: "الغلابة هنا مالهمش مكان يتعالجوا".
يختصر هذا الوصف مأساة الملايين من المصريين الذين يجدون أنفسهم في مستشفيات تعاني من نقص الأدوية، وقلة الطواقم الطبية، وغياب الرقابة الصحية، ما يحول تجربة العلاج إلى صراع من أجل البقاء.
في معهد القلب بإمبابة، الذي يفترض أنه مركز متخصص لعلاج أمراض القلب، يواجه المرضى صعوبات شديدة حتى في الدخول من البوابات الخلفية، حيث تُفتح أمامهم طوابير طويلة في انتظار علاج غالبًا ما لا يتحقق بسبب نقص المعدات والأدوية.
هنا، يتم إجبار المرضى على شراء الدعامات والأدوية من السوق السوداء بأسعار خيالية، في ظل انعدام الأدوية الأساسية داخل المعهد.
مستشفى المنيرة العام: معاناة تحت ضوء الفساد والتسيب
في مستشفى المنيرة العام، يتكدس المرضى في ممرات ضيقة تنتشر فيها الأوساخ، حيث يتطلب الحصول على الرعاية الصحية دفع "بقشيش" لضمان تجاوب العاملين مع الحالات الطارئة. يُترك المرضى بانتظار العلاج على الأرض لساعات طويلة، فيما صرخات عائلاتهم تتردد بلا أي استجابة.
أما الصيدلية فتفتقر للأدوية الأساسية، مما يجبر المرضى على الشراء من الخارج، أو مواجهة احتمال الموت بسبب عدم القدرة على دفع التكاليف.
انهيار تام في مستشفى الصف
يصف العاملون مستشفى الصف بأنه "خرابة" غير صالحة لأي علاج، حيث تملأ القاذورات الغرف، وتكاد المعدات الطبية تكون معدومة. المرضى ينامون على أسرة بلا أغطية، ويعيشون في خطر دائم بسبب انعدام الرعاية، حيث لا تتوفر أجهزة التنفس أو الأدوات الطبية الأساسية. في قسم العناية المركزة، يُترك المرضى الذين يعانون من حالات حرجة ليموتوا ببطء.
نظام صحي فاشل ومسؤولية غائبة
تعتبر حالة المستشفيات الحكومية في مصر انعكاسًا لسياسات اقتصادية واجتماعية غير فعالة تركت النظام الصحي في حالة من الانهيار التام.
بينما تغرق الحكومة في تصريحات ووعود لا تنفذ، يظل المواطن المصري ضحية لفساد عميق وفشل مزمن في تقديم الخدمات الأساسية.
يحتاج النظام الصحي إلى إصلاحات جذرية تشمل تخصيص ميزانيات كافية، وتحفيز الاستثمار في قطاع الصحة، وإنهاء سيطرة الفساد في مؤسسات الدولة.