تعد الرياضة في مصر من أهم المجالات التي تجمع بين الشغف الشعبي والفرص الاقتصادية، إلا أن إدارة المنشآت الرياضية الكبيرة تحولت إلى مثال صارخ على الفساد وسوء التخطيط.
في السنوات الأخيرة، أُنفقت أموال ضخمة على إنشاء وتطوير منشآت رياضية ضخمة بتكلفة هائلة، ولكن تلك المشروعات تفتقر إلى دراسات جدوى اقتصادية ملائمة، ما أدى إلى استنزاف ميزانية الدولة.
ومن بين الأمثلة الأبرز استاد العاصمة الإدارية الجديدة واستاد القاهرة، اللذان يمثلان هدرًا للموارد العامة دون تحقيق الأهداف المتوقعة من استثمارها.
 

استاد العاصمة الإدارية: هدر بلا فائدة
   أنفق نظام السيسي العسكري ما يقارب 900 مليون جنيه (58 مليون دولار وقت الإنشاء) على بناء استاد ضخم في العاصمة الإدارية الجديدة، يُفترض أن يكون رمزًا للرياضة الحديثة ودافعًا للاقتصاد المحلي عبر تنظيم المباريات والفعاليات الرياضية الكبرى؛ إلا أن هذا الاستاد، وبعد افتتاحه، لم يتم استخدامه لأي فعاليات جماهيرية أو مباريات رسمية.
هذا الواقع يثير تساؤلات حادة حول جدوى هذه الاستثمارات، إذ أصبح المشروع بلا فائدة، بل عبئًا ماليًا لا يحقق أي عوائد على الاستثمار.

إن إنشاء مشاريع ضخمة دون تخطيط حقيقي أو دراسة اقتصادية قوية يعد نموذجًا للسياسات غير المدروسة التي تعتمد على القروض والتمويل الخارجي، مما يزيد من أعباء الدين العام.
لقد أُنفقت مبالغ طائلة لبناء هذا الاستاد، لكن قرارات عدم استخدامه وغياب الفعاليات الجماهيرية تجعل المشروع أقرب إلى مجسم من الخرسانة منه إلى منشأة رياضية.
 

استاد القاهرة: خسائر بسبب القيود الأمنية بينما يعاني استاد العاصمة من الإهمال
يعاني استاد القاهرة الدولي من قيود أمنية مشددة تمنع إقامة الفعاليات الرياضية الكبيرة التي تجذب الجمهور.
ويعد هذا الاستاد، الذي أنشئ منذ عقود، أحد أكبر المنشآت الرياضية في مصر وأكثرها شهرة، إلا أنه يتعرض لخسائر سنوية تتراوح بين 20 إلى 30 مليون جنيه.
يعود ذلك إلى أن سلطات السيسي الأمنية تمنع الجمهور من حضور المباريات لدواعٍ أمنية، وهو ما يؤثر سلبًا على الإيرادات التي كانت متوقعة.

تكمن المشكلة في عدم استغلال هذا الاستاد الشهير بالشكل الأمثل، حيث يمكن أن يكون مصدر دخل رئيسي إذا تم السماح بإقامة مباريات جماهيرية فيه.
إضافة إلى الخسائر المالية، يساهم منع الجمهور من الحضور في تراجع مستوى كرة القدم المحلي وفقدان الجماهير الاهتمام بمشاهدة المباريات في الملاعب، مما يزيد من عزلة الرياضة المحلية عن قاعدة الجماهير العريضة.
 

الأثر الاقتصادي والاجتماعي لتدهور إدارة المنشآت الرياضية
إن غياب الفاعلية في إدارة المنشآت الرياضية يعود بتأثيرات سلبية تتجاوز مجرد الخسائر المالية، بل تشمل أيضًا تراجع القطاع الرياضي وتفويت فرص كبيرة للاستثمار.
في حين أن العديد من الدول تعتمد على استاداتها لتحقيق إيرادات من خلال استضافة البطولات الدولية والمباريات الجماهيرية، نجد أن المباريات الهامة يتم نقلها إلى الخارج، تحديدًا إلى السعودية والإمارات، حيث تستفيد تلك الدول من الإيرادات والجماهير.
إن خروج الفعاليات الرياضية الهامة من مصر لا يمثل فحسب خسارة مالية، بل هو فقدان للقيمة الرمزية والوطنية التي تمثلها هذه المباريات في حياة الشعب المصري.

إضافة إلى ذلك، فإن هذه السياسات تؤدي إلى إحباط الجمهور الرياضي وتراجع شعبيته لحضور المباريات داخل مصر، ما يضعف تأثير الرياضة ويقلل من انخراط الجمهور.
إن الأندية والمنتخبات الوطنية المصرية تفقد قاعدتها الجماهيرية بمرور الوقت، حيث تفضل الجماهير المشاهدة عبر الشاشات بدلاً من الحضور في المدرجات، وهو ما ينعكس سلبًا على الأجواء الرياضية في البلاد.
 

نموذج من الفساد وسوء الإدارة في "الجمهورية الجديدة"
تعد هذه السياسات نموذجًا لنهج "الجمهورية الجديدة" التي يقودها السيسي العسكري، والتي يُنظر إليها على أنها تتخذ خطوات للتحديث والتنمية!!!، ولكن دون جدوى اقتصادية حقيقية.
المشاريع الضخمة التي تُقام دون تخطيط متقن ولا تحقق فائدة ملموسة تتحول إلى عبء على كاهل الدولة والمواطنين على حد سواء؛ ففي الوقت الذي يتطلع فيه المواطن إلى تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل، يتم إنفاق الأموال على منشآت غير مجدية، فيما تستمر سلطات السيسي الأمنية في فرض قيود تجعل من هذه المنشآت مراكز فارغة.
 

ضرورة إصلاح إدارة المنشآت الرياضية
تتطلب الحالة الراهنة إصلاحًا جذريًا في آليات التخطيط والاستثمار في القطاع الرياضي.
ينبغي أن تعتمد إدارة المنشآت الرياضية على خطط اقتصادية مستدامة تضمن عوائد على الاستثمار وتستفيد من شغف الجمهور المصري بالرياضة.
كما يجب إعادة النظر في السياسات الأمنية التي تمنع حضور الجمهور في المباريات، وإيجاد حلول توازن بين السلامة الأمنية ومتطلبات دعم الرياضة المحلية.

وبالإضافة إلى ذلك، يتطلب الوضع الحالي فتح تحقيقات شفافة حول هدر المال العام في مشروعات مثل استاد العاصمة الإدارية، التي تمت إدارتها بقرارات غير مدروسة وأدت إلى خسائر ضخمة.

خاتمة: يمثل فساد إدارة المنشآت الرياضية في مصر مثالًا على التحديات التي تواجه البلاد في ظل سياسات السيسي وحكوماته.
إن بناء منشآت رياضية ضخمة دون دراسة جدوى يثير الشكوك حول أولويات الحكومة واهتمامها بالمصلحة العامة.
ومن خلال تجاهل هذه المشكلات، تخسر مصر فرصة تطوير قطاع رياضي مستدام يمكن أن يكون محركًا للاقتصاد المحلي.
فهل تستطيع "الجمهورية الجديدة" تحقيق رؤية حقيقية للتنمية أم أن استنزاف المال العام سيستمر؟