في خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها مصر، وفي حين يكابد المواطن البسيط لتوفير احتياجاته الأساسية، اتجهت حكومة الانقلاب، برئاسة السيسي، إلى استيراد سلع "استفزازية" أثارت جدلاً واسعاً.
تشمل تلك السلع ما بين الأثاث الفاخر والأواني الخزفية، الحُلي وورق الفويل، السجاد والسيراميك، وغيرها من الكماليات التي لا تشكل ضرورة للمواطنين في ظل الأوضاع الراهنة.
 

سياسة استيراد السلع الاستفزازية: هل تزيد من أعباء الفقراء؟
   قدرت قيمة هذه السلع بحوالي 5.6 مليار دولار بين عامي 2014 و2023.
وبدلاً من أن تسعى حكومة السيسي للتخفيف من الأعباء عن المواطنين بتقليل فاتورة الواردات ورفع مستوى الإنتاج المحلي، نجد أن القرارات تعكس توجهًا نحو رفاهية طبقات محدودة، مما يفاقم الأعباء على الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تواجه صعوبة في تلبية أبسط احتياجاتها المعيشية وسط ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار.
 

ما هي السلع الاستفزازية؟
   يطلق على بعض السلع المستوردة "استفزازية" بسبب كونها تندرج ضمن إطار الكماليات، فهي تفي برغبات الترفيه أو المظاهر الاجتماعية الفاخرة، وتبعد كل البعد عن الأساسيات التي يحتاجها الأفراد في حياتهم اليومية.
ويتصدر قائمة هذه السلع منتجات مثل السيارات الفارهة، العطور الفاخرة، الشوكولاتة باهظة الثمن، وحتى ورق الفويل الذي يمكن استبداله بخيارات محلية أقل تكلفة.

وفي الوقت الذي تقف فيه الدولة على شفا أزمة عملة، يُعَد استيراد هذه السلع بمثابة استنزاف للاحتياطيات النقدية الأجنبية وإهدار لموارد يمكن استخدامها لدعم سلع أساسية مثل القمح والأدوية.
بدلًا من توجيه هذه الأموال نحو استيراد سلع أساسية تلامس احتياجات المواطنين أو دعم الإنتاج المحلي، نجد أن هناك إصرارًا على استيراد الكماليات، مما يزيد من معاناة المواطن البسيط في ظل تزايد أزمة الدولار.
 

أزمة الدولار وتبعات استيراد الكماليات
   في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد المصري لكل دولار لدعم المواد الأساسية، نجد أن قيمة الجنيه تتدهور بصورة مستمرة بسبب الاستنزاف المتواصل للدولار في سلع كمالية لا تعود بفائدة على المواطن العادي.
في السنوات الأخيرة، ارتفع سعر الدولار من 30.85 جنيه إلى ما يتجاوز 48 جنيه، وانخفضت قيمة الجنيه بأكثر من 60%، وكل ذلك نتيجة سوء إدارة موارد النقد الأجنبي وتخصيصها لواردات لا تلبي الاحتياجات الملحة.

وفي تصريح للخبير الاقتصادي علي الإدريسي، أكد أن هذا الاستيراد يضع ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد ويزيد من أزمة العملة الأجنبية، حيث تحتاج مصر إلى الدولار لتوفير السلع الأساسية وليس للرفاهيات.
ويرى الإدريسي أن الصناعة المحلية تواجه تحديات بسبب تدفق المنتجات المستوردة التي تحمل علامات تجارية عالمية تستقطب المستهلكين، ما يضعف من قدرة المنتج المحلي على المنافسة في السوق.
 

مستقبل الصناعة المحلية في مواجهة الواردات الترفيهية
   بات واضحًا أن حكومة السيسي بحاجة لوضع سياسات اقتصادية متوازنة تدعم الصناعة المحلية بدلًا من استيراد سلع ترفيهية.
ويؤكد الإدريسي على ضرورة تحفيز الاستثمار في الصناعات المحلية وتقديم الدعم اللازم لجعل المنتجات المصرية أكثر تنافسية.
فالحل الأمثل يكمن في تحسين جودة المنتجات المحلية لتصبح بدائل منافسة للسلع المستوردة، ما يسهم في تقليل الضغط على الدولار.

وفي ظل هذا التوجه نحو استيراد الكماليات، أصدر البنك المركزي المصري قراراً بمنع البنوك من تمويل استيراد 13 سلعة ترفيهية دون الرجوع إليه، لكن هذا القرار لم يكن كافيًا لحماية الصناعة المحلية أو احتياطي الدولار، إذ لا تزال السوق المصرية تستقبل العديد من السلع الكمالية التي لا تخدم احتياجات الشعب الأساسية، وتزيد من الضغوط الاقتصادية التي يتحمل المواطن البسيط تبعاتها.
 

هل من بدائل؟
   بدلاً من فرض حظر شامل، يرى الاقتصادي مدحت نافع أن الحل يكمن في استراتيجيات تدعم الصناعة المحلية وتزيد من تنافسية المنتج المصري في السوق.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم حوافز للمصانع الوطنية، وتسهيل الحصول على المواد الخام بأسعار مناسبة، وتقديم دعم للشركات الناشئة، بالإضافة إلى تشجيع الابتكار والتطوير لرفع جودة المنتجات المصرية.

وبحسب نافع، فإن حكومة السيسي تحتاج أيضًا إلى حملات توعوية تشجع على شراء المنتجات المحلية وتوضح للمواطنين أهمية دعم الاقتصاد الوطني.
فضلاً عن ذلك، يجب فرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع الكمالية المستوردة للحد من انتشارها في الأسواق.
 

تأثير الواردات الترفيهية على الميزان التجاري
   تشكل السلع الاستفزازية عبئًا إضافيًا على الميزان التجاري المصري، الذي يعاني بالفعل من عجز متزايد نتيجة ارتفاع فاتورة الواردات وتراجع الصادرات.
وبدلاً من أن تسعى الدولة إلى تحسين الإنتاج المحلي ورفع معدلات التصدير، نجد أن السياسات القائمة تزيد من التوجه نحو استيراد سلع لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد.

وتعتبر أزمة الطاقة أيضًا من العوامل المؤثرة على القطاع الصناعي، حيث تراجع إنتاج المصانع بسبب نقص الغاز الطبيعي واضطرت بعض المصانع إلى تعليق إنتاجها مؤقتًا، ما يفاقم أزمة الإنتاج المحلي ويزيد من الاعتماد على الواردات التي تستنزف العملة الأجنبية.
 

الاقتصاد المأزوم وبدائل الاستيراد الكمالي
   يقترح الخبير الاقتصادي رشاد عبده مجموعة من الحلول لتقليل واردات السلع الترفيهية، من بينها تعزيز برامج الإنتاج المحلي لضمان توفر هذه السلع بجودة وسعر مناسبين. كذلك يمكن تحديد سقف سنوي للواردات من السلع الاستفزازية أو فرض ضرائب ورسوم جمركية أكبر عليها، ما يحد من تأثيرها على الاقتصاد ويدفع نحو الاعتماد على الإنتاج المحلي.
 

الفئات المتضررة
   تتضمن الفئات المتضررة من تقليص استيراد السلع الاستفزازية المستوردين والمستهلكين المترفين.
فالمستوردون سيواجهون انخفاضًا في الطلب نتيجة ارتفاع أسعار منتجاتهم بسبب الضرائب، وسيصبح عليهم البحث عن بدائل محلية لجذب العملاء.
كما أن المستهلكين المترفين قد يجدون أنفسهم مضطرين للتخلي عن بعض الكماليات نتيجة ارتفاع أسعارها، ما قد يؤدي إلى تغيير في أنماط الاستهلاك المعتادة.

في الختام، تبرز حاجة مصر إلى سياسات حقيقية لدعم الاقتصاد المحلي وتخفيف العبء عن المواطنين.
فاستيراد السلع الكمالية في ظل الأزمة الاقتصادية هو تجاهل واضح للمعاناة اليومية للمصريين ويزيد من أعباء الفقراء الذين يعيشون في دولة يزداد فيها الغلاء وتتصاعد فيها أسعار الأساسيات.